السيطرة المُتنازع عليها على قطاع الدفاع
مُنذ عام 2012، حالت المُساعدة العسكرية الروسية والإيرانية دون انهيار النظام الحاكم للرئيس بشار الأسد والقوات المسلحة النظامية. وبالرغم من ذلك، فقد ترك هذا حكومة دمشق في حالة تنازع على السيطرة السيادية على قطاع الدفاع التابع لها وعلى ساحة القتال السورية. ويتّضح هذا من خلال الاتفاقيات التي توصّلت إليها روسيا، بشكلٍ مُستقلٍّ، مع إسرائيل والولايات المتحدة وتركيا، والتي تحكُم العمليات العسكرية وسياسات فضّ النزاع في سورية.
وفّرت روسيا الأسلحة والتدريبات العسكرية في البداية، لكنها تدخّلت بشكلٍ مباشرٍ في سورية عام 2015، وألحقت مستشارين بوحدات الجيش نزولًا حتى مستوى الكتائب. منذ ذلك الحين، ركّزت روسيا بشكلٍ أساسي على إعادة تدريب الجيش النظامي وتجهيزه وإعادة تأهيله. كما دمجت مقاتلي المُعارضة السابقين ضمن وحداتٍ مُواليةٍ تَخضعُ، شكلِيًّا، لسيطرة القوات المسلحة السورية، والتي يقودُها في واقع الأمر ضُباطٌ روسٌ.
كما ساعدت إيران في مراجعة استراتيجية الحكومة وشكّلت ميليشيات سورية موالية لها، ابتداءً من عام 2012. كما نشرت قوات حزب الله اللبناني وميليشيات شيعية أجنبية، بدعمٍ من المستشارين العسكريين والاختصاصيين الإيرانيين. وغالبًا ما استثمرت إيران في تكوين هذه الميليشيات، لكنها سعت، أيضًا، إلى بسط النُفوذ من خلال شخصيات مهمة في النظام مثل ماهر شقيق الرئيس، الذي يقود الفرقة الرابعة.
لا تُنسّق روسيا وإيران مساعدتهما العسكرية مع بعضهما البعض، ولا يُقدمانها من خلال وزارة الدفاع والقوات المسلحة السورية. وبدلًا من ذلك، فإنّهما تحتِفظان بهياكل قيادة وسيطرة مُنفصلة. لذا، لا تُشكّل القوات المُتحالفة مع الحكومة السورية وروسيا وإيران قطاعًا دِفاعيًّا مُتكاملًا. إذ تختلفُ هذه القوات حول الإستراتيجية العسكرية المُتَّبعة وتتنافس على فرض النفوذ داخل الجيش النظاميِّ الأمر الذي ينعكس في التغييرات المُتكرّرة في صفوف كبارِ الضباط، كما تتنافس أحيانًا للسيطرة على المُنشآت والأصول الاقتصادية. أمّا الحكومة، فهي غير قادرةٍ على تمويل الميليشيات والوحدات العسكرية المدعومة من روسيا أو إيران، ممّا يُجبرها على الاعتماد على قواتٍ لا تُسيطر عليها فعليًّا.
تُطيع القوّات المسلّحة السورية النظام السياسي الحاكم، الذي يشمل رئيس الجمهورية ودائرة المقربين منه وحزب البعث. ويوجه الحزب الإدارة السياسية للجيش والقوّات المسلّحة، ويُقدم تدريبًا عقائديًا في الكليات العسكرية. كما يعينُ عدد من كبارُ الضباط في القوّات المسلّحة في القيادة المركزية واللجنة المركزية للحزب. وتقبلُ المدارس العسكرية المتقدمين حسب الولاء السياسي، وينضمُ معظمُ الضباط إلى الحزب. تتطلب التعيينات القيادية الكفاءة المهنية، لكن الولاء السياسي والهوية الاجتماعية يلعبان دورًا هامًا.
ينتمي ما يقدر بنحو 90 بالمئة من العسكريين المتعاقدين إلى الطائفة العلويّة، وهي فرع من فروع الإسلام الشيعي. وينقسم سلك الضباط على أساس الولاءات الجماعية والشخصية، مما ينتج شبكات غير رسمية تتجاوز هيكليات القيادة الرسمية. ويضفي التأثيران الروسي والإيراني تعقيدًا إضافيًا على هذه الديناميات. إن بُروز الهُويات الجماعية والعشائرية يُفسر تماسُك القوّات المسلّحة والطاعة الدائمة للأوامر الرئاسية.
إن بقاء الجيش والقوّات المسلّحة السورية مُرتبطٌ ببقاء النظام السياسي، بوجود رئيس الجمهورية في قمته. ولا يمكن للجهات السياسية المدنية خارج حزب البعث اختراق القوّات المسلّحة، كما ولا تتدخل القوّات المسلّحة السورية، بدورها، في السياسة. ويفسرُ هذا كيف تعايشت القوّات المسلّحة مع الميليشيات الموالية للحكومة التي لا تقع تحت سيطرتها الفعلية، على الرغم من أن هذه المليشيات تُشكّل قوّات إضافية تحت قيادتها، قانونيًا. إن التحدّي المُستمر الذي تفرضه الجماعات المسلحة المُستقلّة والمناهضة للحكومة على النظام السياسي الحاكم يعزز الحاجة إلى الحفاظ على علاقةٍ مُتكاملة مع المؤسسة العسكرية كوسيلة رئيسة للسيطرة على المسرح السياسي الوطني.
لا تُرسّخ الثقافة العسكرية الخُضوع إلى السلطة المدنية أو لسيادة القانون، كما ولا تُرسّخ لقيم حقوق المواطن أو التعدّدية السياسية. لا تقدم القوّات المسلّحة السلع والخدمات العامة خارج مجال اختصاصها الدفاعي، وقليلًا ما يُكافأ الضباط بالتعيينات في إحدى الدوائر البيروقراطية المدنية في الدولة بعد تقاعدهم. ويشغل عدد قليل من المتقاعدين مناصب هامة في الإدارة المحلية تم تكليفهم بها لاعتبارات أمنية واجتماعية، ويكرّس هذا السُلطة الرئاسية بدلًا من توسيع النفوذ المؤسساتي للمؤسسة العسكرية.
مشاركة القوات المسلحة على مواقع التواصل الاجتماعي
تويتر
التَغريدات
4,512
المتابعين
16,739
مُدرَج في قائِمة
106
فيسبوك
الإعجابات
337,933
المتابعين
413,675
يتَحدّثون عن هذا
122,426
يوتيوب
التحميلات
438
المُشاهدات
3,870,302
يوفر النظام السياسي الحاكم إطارًا للتعاون والتنسيق بين وزارة الدفاع والجيش والقوّات المسلحة من جهةٍ، ووزارة الداخلية وقوى الشُرطة وأجهزة الأمن الداخلي التابعة لها من جهةٍ أخرى. تختلف الصلاحيات ونطاقات العمليات نسبيًا، لكن القوّات المسلّحة هي الشريك المهيمن. وغالبًا ما تُكرر أجهزة المُخابرات السورية الجهود وتتعدى على مهام بعضها البعض. إن مشاركة كلٍّ من الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية في اقتصاد الحرب يُولّد أيضًا تنافُسًا على أرض الواقع ويعيق تنفيذ التوجيهات والسياسيات.
وتتباين رؤى المجتمع السوري حول المؤسسة العسكرية بشكل حاد. إذ يرى جزء كبير من المواطنين أنها مُتحزّبة سياسيًا، لكن آخرون، وخاصة في الطائفة العلوية، يرونها داعمةً للسيادة الوطنية. وترى المؤسسة العسكرية أن دفاعها عن النظام السياسي الحاكم جزءٌ لا يتجزّأ من خدمة الدولة وتجسيد الهوية الوطنية. ولا تُقيِّدُ القوّات المسلّحة المناقشة العلنية، باستثناء ما يخص شؤون الدفاع، ولكن وسائل التواصل الاجتماعية الموالية للنظام تُحمل وزارة الدفاع وقادة القوّات المسلّحة علانية المسؤولية عن الإخفاقات الملموسة أو الإجراءات التي لا تحظى بالتأييد.
بناء الوطن والمواطنة
قطاعٌ دفاعيٌ هجين
دفع الاستنزاف البشري بين عامي 2012 و2013 إلى تشكيل ميليشيات محلية موالية للنظام السياسي الحاكم واستخدام ميليشيات شيعية أجنبية دَعمتها أو استقدمتها إيران. وكانت أهم الميليشيات المحلية الموالية هي قوات الدفاع الوطني، التي ضمّت عددًا كبيرًا من الألوية والكتائب قوامها 60 ألف مقاتل في أوجها. وتشمل الميليشيات المحلية الأخرى كتائب البعث، المنبثقة عن حزب البعث الحاكم، وصقور الصحراء ونسور الزوبعة.
سعت روسيا، بعد تدخلها في أيلول/سبتمبر 2015، إلى قَلب هذا المسار من خلال دمج أهم الميليشيات في المؤسسة العسكرية السورية الرسمية. ولهذه الغاية أنشأت وحدات نظامية جديدة، بما فيها الفيلق الرابع (2015) والفيلق الخامس (2016). وتعدُّ كتائب البعث نواة الفيلق الخامس، على سبيل المثال.
أدّى دمج مقاتلي المعارضة السابقين في صفوف الفيلقين الجديدين إلى تقليص النّفوذ الإيراني، مما دفع إيران إلى تأسيس ميليشيا جديدة هي قوات الدفاع المحلي ولإضفاء الصفة القانونية عليها، حَصَلَت إيران على مُذكّرة رِئاسية تُرفق قوات الدفاع المحلي بالقيادة العامة للقوات المسلحة على أساس مفتوح "حتى انتهاء الأزمة."
من المستحيل معرفة حجم الميليشيات الموالية بشكلٍ دقيق في ظل عدم الشفافية، إلا أن التقديرات تشير إلى أن تلك المدعومة من إيران والوحدات النظامية المستحدثة المرتبطة بروسيا تشمل قرابة 140 ألف عنصر.
لا يوجد تشريع مُنفصل يُنظّم الميليشيات الموالية، إلا أن قانون الخدمة العسكرية الصادر عام 2003 يُشرّع إنشاء "قوى أخرى وقت الضرورة" تحت بند "القوات الإضافية." مع ذلك ما يزال قسم كبير من الميليشيات في سورية خارج السيطرة الفعلية للمؤسسة العسكرية. هذا، وتفتقر الحكومة أيضًا إلى القدرة على نزع سلاح المقاتلين السابقين أو إعادة دمجهم أو توظيفهم، مما يجبرها على السّماح للميليشيات بالاحتفاظ بعلاقاتها مع روسيا أو إيران. تؤثّر هذه الحالة سلبًا على جهود إرساء الاستقرار في المجتمعات المحلية، وتزيد من مخاطر استمرار النزاع المسلح، وتُقَلّل من فرص إصلاح قطاع الدفاع وتطوير احترافية القوات المسلحة.
كان للخدمة العسكرية الإلزامية للذكور تأثير في الصهر الاجتماعي حتى عام 2011، لكن دور المؤسسة العسكرية في قمع الانتفاضة الشعبية دفع أعدادًا كبيرة إلى الفرار من الخدمة أو الانشقاق والالتحاق بالمعارضة، ممّا أدى إلى انخفاض القوّة العسكرية الإجمالية بما يقدر بنحو الثُلثين. إن عددًا قليلًا من المجندين فحسب تقدموا للخدمة خلال الحرب الأهلية، وكثيرًا ما يستخدمُ الجيش والقوّات المسلّحة التجنيد وسيلةً للسيطرة أو لمُعاقبة القطاعات المُجتمعية التي انحازت سابقًا إلى المعارضة.
قبل عام 2011، كانت أنشطة مثل التدريب شبه العسكري لطلاب المدارس الثانوية والجامعات وسيلة لبناء الوطن، لكن عسكرة الحياة السياسية والمجتمع أضعفت الشعور بوجود أهداف وطنية مشتركة منذ ذلك الحين. لم يعد جزء كبير من المواطنين يشعرون أنهم مدينُون بالولاء للدولة المركزية أو الجيش، ويتّضح ذلك من إحجام اللاجئين عن العودة، وهشاشة السيطرة الحكومية في المناطق المُستعادة، وبقاء أو ظهور جماعات المعارضة المسلحة مجددًا في أجزاءٍ من البلاد.
وركّزت أنماط التنسيب والتكليف في المسار المهني لمتعاقدي القوّات المسلّحة منذ زمن طويل على الهويات الطائفية والعرقية والإقليمية والعشائرية والطبقية. يرأس العلويون معظم القيادات والوحدات القتالية الرئيسة، في منحًى بدأ في عهد رئيس الجمهورية السابق حافظ الأسد (1970-2000). وقد أدى القبول التفضيلي إلى الكليات العسكرية وشبكات الزبائنية في القوّات المسلّحة إلى تكثيف عسكرة الطائفة العلوية. وتوجد حصصٌ غير رسمية للأفراد من القطاعات المجتمعية والمناطق غير العلوية، فيما يغلب تكليف المسلمون السُنة في خدمات الإسناد أو الوحدات القتالية الثانوية عند تعيينهم وترقيتهم.
يرتبط العلويّون بشكل وثيق مع المؤسسة العسكرية، لكن العديد من السوريين الآخرين يعتبرونها طائفيةً ومُتحزّبة وفاسدة. حتى العلويّين أنفسهم يُدركون أن الوظائف العسكرية والاستحقاقات المادية تعتمد على المحسوبية والعلاقات السياسية. وتقوم القوّات المسلّحة بتنميط القطاعات المجتمعية بحسب ولاءاتها المُفترضة، تماشيًا مع المنظور العام للنظام السياسي الحاكم. تمتّعت وحداتُ القوّات المسلّحة بعلاقاتٍ مُجتمعيةٍ جيدة حتى عام 2011، لكن باتت المؤسسة العسكرية تسعى إلى تنسيب أعداد متزايدة من العلويّين، وتتطلع إلى عشائر سُنية محددة في الشمال والشرق لتشكيل وحداتٍ عسكريةٍ مؤقتة للضرورة. وظهر التنميط المجتمعي المتحيٍّز جليًّا في الاستخدام العشوائي للقوّة وللأسلحة الكيميائية في مناطق مُحدّدة.
تقوم القوّات المسلّحة بتنسيب النساء. ولا تُميز بين العسكريين من الذكور والإناث فيما يتعلق بالرواتب والمعاشات التقاعدية. تتراوح الأعداد المقبولة في الكلية العسكرية للبنات سنويًا من 70 إلى 100 طالبة، وقد زاد عدد المنتسبين من النساء في الجيش والقوّات المسلّحة خلال الحرب الأهلية الجارية إلى حوالي 8,500، بما في ذلك في الوحدات القتالية المكلّفة في أدوار الحامية. ولا يواجه الطاقم النسائي أية عوائق رسمية أمام الترقية، لكن المؤسسة العسكرية لا تفتح للنساء سُبُلًا للتقدم الوظيفي أو الترقية أو تنويع التخصُّصات العسكرية. وتسمح اللوائح التنظيمية للقوّات المسلّحة بإجازة الأمومة وبمرونة ساعات العمل للنساء، لكن قانون العقوبات العسكري لا يعالج التمييز الجندريّ أو التحرُّش الجنسي.
لا تقوم المؤسسة العسكرية بأعمال إعلامية أو دعائية واسعة، وليس لديها برنامج تعاون عسكري مدني. وتترك كافة النشاطات المتصلة، بما في ذلك توفير الخدمات الطبية والمساعدة التنموية وإعادة التأهيل والإعمار في سياق الحرب الأهلية الجارية، بالكامل للهيئات الحكومية المدنية.
العسكريون في الخدمة مقابل القوى العاملة