الموجزات القُطريّة
لبنان
البيانات الأساسية


عدد السكان
6,855,713
(2019)
المصدر: البنك الدولي
الناتج المحلي الإجمالي
بالأسعار الجارية للدولار الأمريكي
$53 مليار
(2019)
المصدر: البنك الدولي
العِبء العسكري
3.60%
(2017)
المصدر: U.S.
Department of State
نسبة العسكريين
إلى القوى العاملة
2.30%
(2017)
المصدر: U.S.
Department of State
قادة الدولة
ذوو خلفية عسكرية
4 من 13
(حتى 2020)
باستثناء التعيينات المؤقتة
 
إجمالي عدد العسكريين
في الخدمة
المصدر: الجيش اللبناني، بواسطة آرام نركيزيان، 2020.
السياق

تُشكّل التركيبة الطائفية للبنان العلاقات العسكرية المدنية. إن تداخل النزاعات الداخلية والخارجية يزيد من المنافسة الطائفية السياسية ويحدُّ من دور المؤسسة العسكرية في شؤون الدفاع الوطني والاستقرار الداخلي. إن هذا النمط من العلاقات العسكرية المدنية هو إرثُ الحرب الأهلية القصيرة في عام 1958. ففي أعقاب ذلك، سعت مديرية المخابرات في الجيش اللبناني (التسمية الرسمية) إلى تنظيم الحياة السياسية، لكن النخب الطائفية هزمت حكومةً مدعومةً من قبل المؤسسة العسكرية في انتخابات عام 1970 الرئاسية. وقسمت الحرب الأهلية الممتدة بين عامي 1975 و1990 الجيش اللبناني على أسس طائفيةٍ.

لقد اضطر الجيش اللبناني أن يخفف من التهديدات الداخلية التي تحول دون تحقيق الاستقرار الوطني بينما يعمل على ردع إسرائيل وسورية كتهديدين خارجيّين للأمن الوطني. وأنهى اتّفاق الطائف عام 1989 الحرب الأهلية لكن نزع سلاح الميليشيات وتسريحها لا يزالُ غير مكتملٍ. فتحتفظ جماعة حزب الله الشيعية شبه العسكرية بقوّةٍ قتاليةٍ موازيةٍ، وتواصل المهام العسكرية ضدَّ إسرائيل.

إثر الحرب الأهلية الممتدّة بين عامي 1975 و1990، حافظت سورية على تواجُد عسكري واستخباراتي واسع النطاق في لبنان، ووقعت الدولتان على معاهدة الأخوّة والتعاون والتنسيق في عام 1991 التي أكدّت سيادة سورية على الدفاع والسياسة الخارجية اللبنانية. انحسر دور الجيش اللبناني إلى دور شُرَطي بفعل المعاهدة حتى انسحاب القوّات المسلّحة والمخابرات السورية عام 2005. وسعى الجيش اللبناني إلى استعادة دوره المتعلّق بتحقيق الأمن الوطني منذ ذلك الحين، لكن التأكيد المُستمرّ لنشاط حزب الله يقوض هذا الجهد.

وبعد القتال في ساحة المعركة، بدأت الأحزاب السياسية الطائفية منذ عام 2005 تتصارع من خلال صناديق الاقتراع وشبكات الزبائنية السياسية. وتفضل هذه الأحزاب أن لا يتطور الجيش اللبناني إلى مؤسسةٍ قادرةٍ على الحد من استقلاليتها، مما أدى إلى حلقةٍ مفرغةٍ من عدم الثقة العسكرية المدنية ونقصٍ مُزمنٍ في موارد المؤسسة العسكرية. وعلى الرغم من هذه التحديات، مكّنت المساعدات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 2006 الجيش اللبناني من التطور ليصبح شريكًا موثوقًا به في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وأكثر مؤسسة دولة موثوقٍ بها في لبنان، حيث يتمتّع بدعمٍ شعبيٍ واسع النطاق من قبل جميع الطوائف.

النقاط الرئيسة

  • يُمثّل الجيش اللبناني كل الطوائف في لبنان ويعترفُ بالسلطة المدنية. لكن النظام السياسي الطائفي والزبائني يولدا توتراتٍ مذهبية ويهدد بتسييس عمليات الجيش اللبناني.

  • تتجنب المؤسسة العسكرية المخاطرة وتُفضل الحياد السياسي، لكن الأحزاب السياسية الطائفية المتنافسة في لبنان تحُدّ من التطور العسكري لمنع الجيش من تحدي استقلاليتها السياسية والاقتصادية.

  • يُرسخُ الجيش اللبناني هويةً مؤسساتيةً غير طائفية، ويتمتع بثقةٍ عاليةٍ لدى المواطنين. كما يسعى إلى دمج النساء ويرى أن التعاون العسكري المدني أمرٌ حاسمٌ لنجاحه.

  • يحُدّ انخفاض إنفاق رأس المال على قطاع الدفاع من تطوير القُدُرات والاحترافية العسكرية، كما أن الشفافية في الإنفاق الدفاعي محدودةٌ، ولكن الجيش اللبناني لا ينخرط في أنشطةٍ تجاريةٍ واسعة النطاق.

  • إن تنافُس الأحزاب الطائفية السياسية ونقص الخبرة الدفاعية في صفوف المدنيين اللبنانيين من شأنه أن يشلّ صُنع السياسات الدفاعية الوطنية. كما أن الجيش اللبناني يرتاح أكثر في التعامل مع الكادرين العسكري والمدني من الدول المانحة.

هيكل الدفاع
الاستقرار المؤسساتي

تأسس الجيش اللبناني على مبدأ السيطرة والرقابة المؤسساتية من قبل المسؤولين المدنيين المنتخبين. فيرى الجيش نفسه حامٍ لجمهوريةٍ مدنيةٍ، وليس ممثلًا لنظامٍ أو حزبٍ أو فصيلٍ سياسيٍ. ويضع القانون الجيش تحت تصرف رئيس الجمهورية وينصّ على أن مجلس الوزراء هو من يحدّد السياسة الدفاعية والأمنية العامة للدولة. وبناءً على ذلك، يتخذُ المجلس الأعلى للدفاع، المكوّن من مسؤولين حكوميين مدنيين، قرارات الدفاع الوطني ويبتّ في طلبات موازنة الدفاع. بمجرد أن يمنح المجلس الأعلى للدفاع التوجيه الاستراتيجي، تتولى قيادة الجيش اللبناني السيطرة العملياتية الفعلية، بينما تمارس وزارة الدفاع الحدّ الأدنى من الإشراف عن بُعدٍ.

يعتبر الجيش دوره الدستوري مرتبطًا بالحفاظ على التعددية الطائفية في لبنان. ومن المعروف أن القادة العسكريين قد يعيدون تأويل التوجيهات الحكومية التي تشكل خطرًا على توازن القوى الطائفي أو يحجمون عن تنفيذها. وتُمثّلُ الطوائف الستّ الكبرى في لبنان، حسب العُرف الجاري، بشكلٍ دائم في المجلس العسكري.

 
وثائق قانونية أساسية

يناقش القادة المدنيون والعسكريون بانتظامٍ موازنة الدفاع والمقتنيات العسكرية ومجالات المهام الرئيسة، والتعيينات الخاصة بقادة الألوية ونوّاب رؤساء الأركان أو أعضاء المجلس العسكري. وتحدد قيادة الجيش أولويات التخطيط الداخلي والعقود والموازنة والتنسيب التي يُدّقِقُها بعد ذلك كبار المسؤولين الحكوميين.

آثر الجيش اللبناني بعد الحرب الأهلية التنازُل عن المهام المرتبطة بحفظ النظام العام لصالح الأجهزة الأمنية المدنية، لكن المستوى العالي من الثقة الذي يحظى به الجيش عند المواطنين من شأنه أن يؤدي إلى توسع وتداخلٍ في المهام، مما يسبب ارتباكًا لدى المواطنين حول مدى صلاحيته في الأمور المرتبطة بحفظ النظام العام وعمليات الاستقرار الداخلي والتنسيق لمكافحة الإرهاب. وتقع هذه المهمات خارج نطاق مهمة الدفاع الإقليمية الرئيسة للجيش.

بين عامي 1990 و2005، حدّت أجهزة الأمن السورية في لبنان من دور الدفاع الإقليمي للجيش اللبناني. لكن بدأ الجيش يستأنف هذا الدور مع رحيل القوّات والمخابرات السورية عام 2005 واستئناف المساعدات العسكرية الدولية. وأدت المواجهة بين إسرائيل وحزب الله عام 2006 وعمليات مكافحة الإرهاب عام 2007 في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين وحملة مكافحة الدولة الإسلامية عام 2017 إلى تسريع هذه العملية. وتنسق القوّات المسلّحة فعليًّا الآن المهام والأولويات مع الأجهزة الأمنية المدنية من خلال القنوات الرسمية كالمجلس الأعلى للدفاع.

إن اختصاص المحاكم المدنية والعسكرية منفصلٌ عمومًا، لكن لا يزال المدنيون يحاكمون على جرائم تتصل بالأمن الوطني في المحاكم العسكرية. تدرك المؤسسة العسكرية الخطر الأخلاقي الذي يمثله ذلك، لكن المحاكم العسكرية تتبع لوزير الدفاع، ولذلك فهي تقع خارج دائرة التسلسل القيادي للجيش. وبالمثل، يحاكم النظام القضائي العسكري أحيانا العسكريون على جرائم مدنية أو جنائية. ولكن هذه الظاهرة في تراجع، خاصّة عند النظر إلى زيادة الوعي والتدقيق لدى المواطنين حيال المؤسسة العسكرية وإلى حساسية الأخيرة للحفاظ على دعمهم.

النظام السياسي

حزبُ الله
وصف نائب رئيس الأركان للتخطيط في الجيش اللبناني العميد الركن المُتقاعد مارون حتّي العلاقات بين الجيش وحزب الله بكونِها علاقات تتميّزُ بـ"تفادي النزاع وضمان المصالح في كُلّ حالة على حِدَة". وتَنشط قيادةُ الجيش اللبناني ومُديرية المُخابرات لتفادي النزاع مع حزب الله على المُستوى الاستراتيجي عند الحاجة، في سِمة شاذّة من سمات التسوية السياسية في لبنان بعد الحرب الأهلية. شهدت الديناميات الناتجة عن هذه التسوية مَدًّا وجَزرًا بخُصوصِ شرعية حزب الله، وهو تنظيم شبه عسكري وسياسي شيعي، والجيش اللبناني، الذي هو مؤسسة أمنية وطنية ذات تمثيل طائفي شامل.

لقد أضفى اتّفاق الطّائف لعام 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية، الشرعية على سلاح حزب الله تحت عنوان "المُقاومة" ضدّ الاحتلال الإسرائيلي للأراضي اللبنانية، بدعمٍ من سورية ورَاعِيتها الدولية إيران. وفي السياق ذاته، قيَّدت أجهزة المخابرات السورية دور المؤسسة العسكرية اللبنانية في فترة ما بعد الحرب بدور الحفاظ على النظام العام، وذلك خدمةً للمصالح السورية.

عطّل رحيل الأجهزة المخابراتية والقوات المسلحة السورية من لبنان في عام 2005 تأثير حزب الله البالغ في صنع قرارات الأمن الوطني، فيما أعاد تأهيل شرعية الجيش اللبناني في المجال ذاته تدريجيًّا. وبمساعدة عسكرية دولية من الولايات المتحدة وشركاءٍ آخرين، حاول الجيش اللبناني تطويرَ مصداقيته واستقلاليته العسكرية وتعميقهما والحفاظ عليهما. ولكن على الرغم من هذه المكاسب المؤسساتية، لا يُمكن للجيش أن يتجاهل حزب الله، الذي حافظ على سُمعته الجيدة في صفوف شريحةٍ كبيرةٍ من الطائفة الشيعية في لبنان. وطالما أن حزب الله يُسيطر على هذا التأييد، فلا خِيارَ أمام الجيش اللبناني وحزب الله سوى الحفاظ على علاقاتٍ تجمع البرود والودّ معًا، على الرغم من التوتُّرات الجدّية التي تنشأ بينهما في كثيرٍ من الأحيان.

يعزّز تنافس النخب السياسية الطائفية تفضيل الجيش اللبناني للحياد السياسي. وساهمت هذه المنافسة بين النخب الطائفية في الحروب الأهلية عام 1958 وللفترة الممتدة بين 1975 و1990، عندما كافح الجيش اللبناني للحفاظ على وحدة القيادة والسيطرة في ظل تفكّك الوحدات أو قتالها إلى جانب أحد الفصائل المتحاربة. ويعمل سلك الضباط على تجنب تكرار تلك الواقعة، لكن هذا الإرث يجعل الجيش يتجنب المخاطرة. إنه يطيع القادة المدنيين، لكن يتوقف تنفيذه الأوامر أو تهربه منها على ما إذا كانت هذه الأوامر تُهدّد الاستقرار والتعايش السلمي الطائفي أو وحدة الجيش. ساهمت سمعة الجيش المتميزة بحياده السياسي في انتخاب أربعة من كبار القادة العسكريين للرئاسة، على الرغم من أن معظم الضباط لا ينتقلون إلى أدوار سياسية مؤثرة بعد التقاعد.

يُصارع الجيش اللبناني لتحقيق التوازن بين السياسات الطائفية في لبنان وبين الحفاظ على الاحترافية العسكرية. وعمِلت النخب السياسية الطائفية المتنافسة على عدم إعطاء الأولوية للتطور العسكري وعلى تقييد المؤسسة العسكرية بالأدوار الداخلية والشُرَطية، وذلك لمنع الجيش من تقويض الاستقلالية السياسية والاقتصادية لهذه النخب الطائفية. وتقوم قيادة الجيش باختياراتٍ مبنية على المسار المهني والكفاءة لتولي المناصب وصولًا إلى مرتبة قادة الألوية، ولكنها تتمتع بمرونةٍ أقلّ بالنسبة إلى اختيار نواب رؤساء الأركان وقادة الألوية. إن اختيار قائدٍ جديدٍ للجيش يُمكن أن ينطوي، أيضًا، على إيحاءاتٍ سياسيةٍ خلافيةٍ بين النخب السياسية الطائفية، مما يؤدي في كثيرٍ من الأحيان إلى تعيينٍ توافقي.

سعى الجيش إلى تعزيز هويته المؤسساتية في مواجهة المصالح الشخصية والزبائنية السياسية في صفوف السلطات المدنية. إن تماسك المؤسسة العسكرية ليس منتظمًا على الدوام في أي حال من الأحوال، لكن أصبح الجيش أحد أكثر المؤسسات الوطنية اللبنانية احترافية. ويعود ذلك، إلى حدٍ كبير، إلى المساعدة الأمنية الغربية.

تُشكّل جماعة حزب الله شبه العسكرية، بموجب تسلسلها القيادي الخاص بها وتنسيقها الوثيق مع إيران، تحدّيًا طويل الأجل للسياسات العسكرية اللبنانية. إذْ يتمتع حزب الله بدعمٍ شعبيٍّ واسع النطاق في صفوف أنصاره ومنتخبيه ذوي الأغلبية الشيعية المسلمة، مما يجبرُ الجيش اللبناني على مراعاة تفضيلات الحزب السياسية. وهذا لا يختلف عن المنهج المُتّبع من قبلِ الجيش تُجاه الفصائل الأخرى التي تبقي على قوّاتٍ غير نظاميةٍ، مثلها مثل حزب الله.

مشاركة الجيش اللبناني على مواقع التواصل الاجتماعي
تويتر
التَغريدات
4,541
المتابعين
392,403
مُدرَج في قائِمة
323
فيسبوك
الإعجابات
305,316
المتابعين
312,357
يتَحدّثون عن هذا
34,766
يوتيوب
التحميلات
328
المُشتركين
17,700
المُشاهدات
4,351,743
(تموز/يوليو 2020) | المصادر: Social Blade, Foller.me, Ninjalitics
تؤثر السياسة الطائفية اللبنانية المثيرة للانقسامات على كيفية التفاعل بين الهيئات الحكومية العسكرية والمدنية. إن وزراء الدفاع المدنيون على الدوام، لكنهم كثيرًا ما ينتمون إلى فئة سياسية طائفية داخل الحكومة. ويؤدي ارتفاع مُعدّل التعيينات السياسية إلى الافتقار إلى الخبرة اللاّزمة لدى المدنيين في مجال الدفاع وإلى إعاقة القدرات على التخطيط ووضع الموازنة. ويؤدّي هذا إلى ضعفٍ في التنسيق وعدم الثقة المؤسساتية بين الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى.

لا يهيمن الجيش اللبناني على الفضاء السياسي، على الرغم من تتمتّعه بدعمٍ قويّ في أوساط مختلف الطوائف. فهو لا يركز على الحفاظ على النظام السياسي الحالي بل يسعى إلى أن يبقى محايدًا إزاء المناقشات العلنية والتغييرات السياسية، طالما يتم ذلك بطرق سلمية. عمومًا، يُسمح في لبنان بالمناقشة العلنية حول شؤون الدفاع، لكن النقص في المعلومات وضعف الاستجابة من جانب الجيش والنخب السياسية الطائفية كثيرًا ما يعيق ذلك. يناقش المهتمين بالسياسات العامة ميزانية الدفاع بنشاط، ولا يُمنع المحللون المختصّون في مجال الدفاع من توجيه أسئلةٍ مُحرجةٍ إلى الجيش أو الحكومة حول الشؤون المالية للدفاع.

 
بناء الوطن والمواطنة

التماسك في الجيش اللبناني
تُساهم عدّة عوامل في تماسُك الجيش اللبناني، بالرغم من التعدُّد الطائفي في لبنان. ويتمثّلُ العامل الأول في الروح الجماعة العسكرية. إذْ يَفخرُ أفراد الجيش بالانتماء إلى إحدى مؤسسات الدولة اللبنانية القليلة التي تعمل بشكل جيد وتحظى بالاحترام، ممّا يُعزّز الشعور المُشترك بالانتماء والولاء للمؤسسة العسكرية. إن هذا الشعور قويُّ خصوصًا في صفوف وحدات النخبة في القوات الخاصّة. أمّا العسكريون الذين ينتهكون مبادئ الولاء، فيتعرَّضُون للنبذ الاجتماعي.

أما العامل الثاني الذي يُساهم في هذا التماسك، فهو توقُّع أن يكون الارتباطٍ بالمؤسسة العسكرية مدى الحياة. إذ غالبًا ما تُترجمُ الوظيفة العسكرية، التي لا تشوبها شائبة والتي تتميّزُ بوضوحٍ عالٍ وأقدمية كافية، إلى فُرصٍ مهنية وربّما سياسية إثر التقاعد. نتيجةً لذلك، يُمكن أن تؤدي الانتهاكات غير الرسمية للأعراف العسكرية أو للسلوك المتوقع من الأفراد إلى فِقدان الاستقرار والاستِحقاقَات والمزايا والفرص المهنية بعد الحياة العسكرية، حتى وإن كانت هذه الانتهاكات لا تُخالف القانون.

أمّا العامل الثالث، فيتعلّق بالطابع الطائفي للجيش اللبناني، الذي يُمثّل مصدر تماسُكٍ في وقت السّلم ولكنه مصدر انقساماتٍ في وقت الأزمات. وإثر الحرب الأهلية التي امتدّت من عام 1975 إلى عام 1990، أصبح الجيش قوةً ذات تَمثيلٍ طائفيٍ أكبر وتمازُجٍ طائفيٍ أكثر بين وحداته. لقد ساهم ذلك في زيادة ثقة المواطنين، لكن التوتُّر الطائفي والعنف المجتمعي لا يزالان يضغطان على تماسك الجيش اللبناني ووحدته.

تُحدد جودة القيادة العسكرية كيفية تفاعل هذه العوامل لتعزيز التماسك أو إضعافه. بعد انسحاب القوات السورية في عام 2005، سعت النخب السياسية الطائفية اللبنانية إلى اختراق التعيينات والترقيات العسكرية والتأثير عليها لمنعِ كبار الضباط من تحدّيهم. وكثيرًا ما يُؤدّي ذلك إلى تعيين كبار الضباط القادرين على الحِفاظ على تماسُك الجيش اللبناني، ولكن غير قادرين على جعله متماسكًا إلى حدّ يتجاوز التنافس السياسي الطائفي تمامًا.

يعد الجيش اللبناني، بعد الحرب الأهلية، واحد من أكثر مؤسسات الدولة تمثيلًا للطوائف المختلفة على الصعيد الوطني. ويفرض القانون التساوي بين المسيحيين والمسلمين في سلك الضباط، ويعمل الجيش بنشاط على تنسيب الرتباء والمنتسبين القادمين من جميع أنحاء البلاد. طوال تسعينيات القرن الماضي، شهد الجيش طفرةً في تنسيب المسلمين الشيعة، ثم شهد في وقتٍ لاحقٍ زيادةً في تنسيب المسلمين السنة من المناطق الشمالية الفقيرة للبلاد. يخضع منتسبو الجيش إلى نظام تدريبٍ عسكريٍ يكرّسُ هويةً عسكريةً مؤسساتيةً فوق كل الانتماءات الجماعية أو الحزبية، لكن التوترات الجماعية في المجتمع تؤدي في بعض الأحيان إلى تفاقم الخلافات الجماعية في صفوف الجيش.

أصبحت الخدمة في الجيش اللبناني تطوعية منذ عام 2007. فكانت الحكومة قد فرضت الخدمة العسكرية الإلزامية كوسيلةٍ لإعادة بناء التماسك الوطني عبر الطوائف المختلفة في أعقاب الحرب الأهلية، وتم تجنيدُ الآلاف من الذكور ممن هم في سن الخدمة العسكرية لمدة عامٍ واحدٍ بين عامي 1990 و2007. وتجاوز التجنيد الفواصل الديموغرافية والطائفية، لكنه تضمن الحدّ الأدنى من التدريب وأنتج قوّةً عسكرية محبطة إلى حدٍّ كبيرٍ، دون ترسيخ الهوية المؤسساتية. ومنذ التخلي عن التجنيد الإلزامي، أصبح الجيش اللبناني أحد أكثر مؤسسات الدولة احترافية.

ينظر المواطنون عمومًا إلى المؤسسة العسكرية على أنها وسيط وحكم صادق في أوقات الأزمات الوطنية، ويُقرّون بتركيبتها الطائفية التمثيلية وامتناعها عمومًا عن التدخل في المجال السياسي. ومع ذلك، فإن محاولات الجيش للحفاظ على هذا الحياد في وجه الاحتجاجات يؤدي أحيانًا إلى تصوّر أنه يدعمُ أحد الأطراف. للمدنيين، وخاصة وسائل الإعلام، الحرية في مناقشة المؤسسة العسكرية أو الشؤون الدفاعية، لكن الرقابة الذاتية كثيرًا ما تحدُّ من هذه المناقشة. كما ويتسبب تصنيف المؤسسة العسكرية السري للبيانات المبالغ فيه في جعل المواطنين ووسائل الإعلام غير مُطّلعة إلى حدٍّ ما على شؤون الدفاع.

بالإضافة إلى التمثيل الطائفي، سعت المؤسسة العسكرية بنشاط، إلى إدماج النساء. وحتى أوائل عام 2020، قام الجيش بتنسيب حوالي 4000 امرأة في صفوفه، بما في ذلك الكوادر النسائية في سلاح الجو (الطائرات ذات الأجنحة الثابتة والمروحيات)، والقوّات الخاصة، والمخابرات العسكرية، والاستخبارات المُضادّة، وإدارة مقرّات القيادة. وقد تذهب قيادة الجيش أبعد، إلى دمج النساء في مهامٍّ قتاليةٍ. ولكنها لم تُواكب تنسيب النساء مع التغييرات المطلوبة في المرافق وقواعد العمل واللوائح. ولا توجد آليّة واضحة للتعامل مع التحرش الجنسي، ولا يمتلكُ الجيش استراتيجيةً واضحةً لمُراعاة المنظور الجندريّ.

ترى المؤسسة العسكرية اللبنانية أن التعاون العسكري المدني جزءٌ لا يتجزأ من المستويات العالية المُكتسبة من ثقة المواطنين في الجيش ودعمهم له، لكن ربط ودمج أنشطة مديرية التعاون العسكري المدني التي تأسست في عام 2014 بالوظائف العسكرية الأخرى ما زال يسير ببطء. ترى المؤسسة العسكرية أن التعاون العسكري المدني عاملًا حاسمًا لتدعيم عمليات الانتشار في أنحاء البلاد التي كانت سابقًا مناطق محظورةً عليها في ظلّ غلبة القرار السوري طوال الفترة الممتدة بين 1990 و2005. ويتفّهم الشُركاء الخارجيون هذه الحاجة، وقد ساعدوا الجيش اللبناني في العمليات المتعلقة بالتوظيف والتطوير في مديرية التعاون العسكري المدني. وإذا تم منحها الفرصة، يفضل الجيش اللبناني أن تتطور مديرية التعاون العسكري المدني إلى قيادة يرأسها نائب رئيس أركان، إلى جانب العاملين والعمليات والخدمات اللوجستيّة والتخطيط.

العسكريون في الخدمة مقابل القوى العاملة
المصادر: الجيش اللبناني، بواسطة آرام نركيزيان، 2020. | U.S. Department of State
الميزانية والاقتصاد

تُوضحُ مقترحاتُ الإنفاق الدفاعي اللبناني، مثلها مثل جميع بنود الإنفاق الوطني الأخرى المُقترحة، مآلات التمويل على المستوى الشامل، لكن تفاصيل الميزانية تحت هذا المستوى تظلّ من اختصاص الجيش ووزارة المالية والحكومة. تتضمن الخطط الخمسيّة لتطوير القدرات العسكرية التي تم إنشاؤها بدعمٍ من شركاء أجانب، أقسامًا دقيقة حول الميزانية، ولكن هذه الخطط لم يتم تعميمها على نطاقٍ واسعٍ أو مناقشتها عَلَنًا. تشمل إجراءات صياغة موازنة الجيش اللبناني فروع التخطيط والعاملين والعمليات والخدمات اللوجستيّة والاستخبارات. وبمُجرّد أن يصل مشروع الموازنة إلى الحكومة، فإنه يخضعُ لنفس عمليات التدقيق والتبرير والترفيع والتخفيض التي تخضعُ لها موازنات الهيئات الأخرى، بالتنسيق مع وزارة المالية.

إن الديناميّات السياسية الطائفية وغياب آليةٍ لتطوير احتياجات الدفاع الوطني الأوسع والتفاوض عليها كُلها عواملُ من شأنها أن تحُدّ من تمويل الاحتياجات الدفاعية. لا يطرحُ الجيش اللبناني مناقشةً أوسع لاحتياجات الدفاع خوفًا من زيادة التوتُّرات الطائفية. إن القادة المدنيين -رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ووزير المالية والنواب والنخب السياسية الطائفية خارج الحكومة- يُفضلون الحفاظ على مستوى الانفاقات الجارية بدلًا من المُوافقة على النفقات الرأسمالية التي يمكن أن تطور من قدرات المؤسسة العسكرية واحترافيّتها. ومع ذلك، بمجرد أن يقرر القادة المدنيون قُبول المساعدات العسكرية الأجنبية، وخاصة من الدول الغربية، فإن الجيش اللبناني والدولة المانحة يحددون مسار تلك المساعدات. ويعكس هذا عدم الاهتمام النخب السياسية الطائفية بالمُساعدات التي قد لا تستفيدُ منها بشكلٍ مباشرٍ.

إن الشفافية في الإنفاق الدفاعي مُتذبذبةٌ. النفقات من خارج الميزانية نادرةٌ، ولكن في غياب صدور ميزانيةٍ رسميةٍ في الفترة الممتدة بين 2005 و2017، خصص مجلس النواب تمويلًا مُباشرًا للجيش. ولا تعمد هيئةُ التفتيش المركزي في الدولة وديوان المحاسبة سِجلًا حول تقديم تقارير التدقيق المالي لميزانيّات الدولة بانتظام، ناهيك عن ميزانيات الدفاع، على الرغم من أن الجيش ينسق مع ديوان المحاسبة بشأن العروض والمناقصات. ثمة قليل من التشريعات حول مخاطر الفساد في مقتنيات الدفاع، وخلافًا للهيئات المدنية، فإن الجيش معفي من تدقيق إدارة المناقصات. وبدلًا من ذلك، تُدير المديرية العامة للإدارة في الجيش عقود الدفاع. وفي مُناسباتٍ نادرة، طلبَ كبارُ الضباط رشاوي لتسهيل المناقصات أو تأمين العقود العسكرية، لكن قيادة الجيش عاقبت هؤلاء الأفراد أو تصدى المتعهّدون الغربيون لهذه المحاولات امتثالًا لقوانين مُكافحة الفساد في دولهم.

لا يشاركُ الجيش اللبناني في الأنشطة التجارية سوى على نطاق ضيق فقط. وهناك القليل من المداخيل المُتأتّية من خارج الميزانية، كما أن المساعدات الخارجية عادةً ما تكون عينيّةً أو تُنفق في البلدان المانحة كائتمانٍ تتم المشتريات من خلاله. ويتراجع دور التحويلات النقدية المُرتبطة بالمُساعدات أو اقتناء الأسلحة في تمويل الجيش. نادرًا ما ينخرط العسكريون في مشاريع تجارية عامة أو خاصة. ويعكس هذا حقيقة أن النخب السياسية الطائفية المُتنافسة في لبنان تحتفظ بهذا المجال لنفسها ولشبكاتها الزبائنية. ويمتلك الجيش عددًا قليلًا من الشركات الخاصة المتاحة للاستخدام المدني، كـفندق "مونرو" وسط مدينة بيروت. لكن الإيرادات المُتدنية جدًا من هذه الشركات لا يتم الكشف عنها بطريقة شفافةٍ.

 
الإنفاق الحكومي والدفاعي
المصدر: الجيش اللبناني، بواسطة آرام نركيزيان، 2020.
الدفاع الوطني

تَتْرُك ندرة المدنيين المحترفين في شؤون الدفاع فجوةً كبيرة في قدرة الجيش اللبناني على تطوير قُدُراته والاستجابة لاحتياجات سياسات الدفاع الوطني. إن مُعظم المدنيين العاملين في شؤون الدفاع هم إمّا سياسيين في أدوارٍ قيادية أو معينين سياسيين من إحدى شبكات الزبائنية السياسية الطائفية. ونتيجة لذلك، يفتقرُ المدنيون المشاركون في شؤون الدفاع إلى فهم القُدرات أو الاحتياجات أو الأهداف التطويرية العسكرية ولديهم القليلُ من الحوافز لسدّ هذه الفجوة المعرفية.

تقوّض الأجنداتُ السياسية الجوانب الحاسمة لتخطيط الدفاع الوطني والتطوير العسكري اللبناني. وتتبنّى الأحزاب الطائفية السياسية، التي كثيرًا ما تتمتع بسلطةٍ واستقلاليةٍ أكثر من مؤسسات الدولة، أولويات متنافسة في السياسة الخارجية، مما يُقوّض إمكانية صياغة سياسةٍ خارجيةٍ مُتماسكةٍ. وهذا، بدوره، يُعيق صنع سياسة الدفاع الوطني وتطوير القوّة العسكرية ووضع موازنة الدفاع. ونتيجةً لذلك، فإن فعالية وكفاءة الجيش اللبناني محدودتان، مما يجبره على البحث عن أفضلية القاسم المشترك الأقل سوءًا وعلى الأقل تطوير بعض القدرات التي يراها ضرورية تلبية لاحتياجات الدفاع الوطني.

اعتادت المؤسسة العسكرية اللبنانية على أن يحُدّ المدنيين نفقاتها الرأسمالية. ونادرًا ما تنظر السُلطات المدنية في الحاجة إلى إصلاح نفقات أفراد المؤسسة العسكرية. هذه اللامُبالاة المُتبادلة تجاه الإصلاح، في صفُوف المدنيين والضباط على حدّ سواء، تعرّضُ تطوير الاحترافية والقدرات العسكرية للجيش اللبناني للخطر على الأجل البعيد، وذلك من خلال فصل الموارد المتاحة عن الأهداف الاستراتيجية الواقعية.

وبالمثل، يميلُ الجيش إلى سدّ الثغرات في القدرة والتخطيط المُستقبلي للقوّة العسكرية من خلال الاعتماد على العسكريين بدلًا من تطوير كفاءة المدنيين الذين يمكن أن يكونوا بمثابة ذاكرة مؤسساتية له. لا يتبدّل العاملون المدنيون بنفس وتيرة نظرائهم العسكريين، ما يعني أن الممارسات والإجراءات الفعّالة التي يكتسبها العسكريون تنتقل معهم حين يتركون أي منصب. بالإضافة إلى ذلك، لا يهتم العاملون المدنيون عُمومًا بالفرص القليلة المُتاحة للتدريب في شؤون الدفاع في الخارج، والكثيرون منهم لا يعتقدون أن مثل هذه الدورات ستفيدهم في حياتهم المهنية. وعندما يلجأ الجيش إلى المدنيين اللبنانيين، فإنه كثيرًا ما يفعل ذلك، في مجالاتٍ كالتعاون العسكري المدني أو الدبلوماسية العامة أو العمليات الاستعلاماتية، وهي مجالات مهمة، لكنها ليست ذات أهمية حرجة في العمليات القتالية.

أما بخصوص مجالات التخطيط الاستراتيجي والمقتنيات والإدارة المالية، فإن الجيش اللبناني أكثرُ أريحية في التعامل مع المدنيين المدعومين من قبل المانحين أو الشركاء على أساس قصير الأجل أو محدود، بدلًا من توظيف مدنيين لبنانيين محترفين في شؤون الدفاع بدوامٍ كاملٍ. على سبيل المثال، وظّف مشروع الحدود البرية، الذي نُفِّذ بعد عام 2010، مدنيين وخبراء عسكريين متقاعدين أجانب مدعومين ماليًا من المملكة المتحدة لتخطيط وتنفيذ المُتطلبات الأمنية الحدودية الشمالية والشرقية للجيش اللبناني. إن غياب كادرٍ مختصٍ ومخوّل له من محترفين مدنيين في مجال الدفاع ومسؤولين مدنيين كبار على المستوى الوزاري، من شأنه أن يُقوّض الإصلاح الهيكلي لصنع القرار. إذ لا يمكن للجيش اللبناني مُباشرته في فراغٍ، مما يجعل استراتيجية الدفاع الوطني أقلّ تماسُكًا.

واردات الأسلحة
ملاحظة: وحدة قيمة مؤشر الاتجاه هي وحدة قياس طورها معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI) لحساب حجم عمليات النقل الدولية للأسلحة التقليدية الرئيسية. وهي لا تمثل الأسعار الفعلية ولا يمكن مقارنتها مباشرة بأرقام الناتج المحلي الإجمالي أو الإنفاق العسكري.
المصدر: SIPRI
 
آخر التغريدات


تواصل معنا