إن التقلص الهائل في حجم القوّات المسلّحة أثناء الحرب الأهلية وانتهاكاتها المنهجية لأعراف السلوك العسكري يدلّان على الاستقطاب في كيفيّة تصوّر المؤسسة العسكرية والمُجتمع لبعضهما البعض، مع تأثيراتٍ دراماتيكيةٍ على الكفاءة والتماسُك العسكريين. وينبع المنظور والمواقفُ من التقارب الوثيق لغرض المؤسسة العسكرية، من جهة، والدولة والنظام السياسي والمصلحة الوطنية كما حدّدها حزب البعث العربي الاشتراكي والرئيس السابق حافظ الأسد (1971-2000) ونّجِله، الرئيس الحالي بشار الأسد، من جهةٍ أخرى. إن هذه العلاقة السياسية الوثيقةُ تُقلّلُ من تدخّلاتِ المؤسسة العسكرية المُباشرة في المجال المدني، ولكنّها تعني أيضًا أن المؤسسة العسكرية لا تستثمر في سياسات الاندماج الاجتماعي أو في التعاون العسكري المدني.
وترى شريحةٌ كبيرة من المُواطنين أن أفراد الطائفة العلويّة يُسيطرون على سلك الضباط العسكريين ويُطبّقون سياسات طائفية، في حين يرى العلويُون أنفسهم وطنيّين مخلصين يُقاتلون من أجل الوطن بأكمله. وتستثمر القوّات المسلّحة في الرقابة على المُجتمع أكثر من سعيها لتحقيق الاندماج الاجتماعي، ويرى جزء كبير من المواطنين أنها متحزِّبة سياسيًا وغيرُ جديرةٍ بالثقة. ولم تَسعَ القوّات المسلّحة لاستعادةِ الثقة من خلال برامج مدنية تهدف إلى تحسين التمثيلِ الاجتماعي في صفوف ضباط الصف والمنتسبين أم مُساعدة المجتمعات المحلية على إعادة البناء أو مُساعدة التنمية الاجتماعية والاقتصادية عمومًا.
تُقارب المؤسسة العسكرية بناء الوطن كمسعى لإعادة تأكيد سُلطةِ الدّولةِ والحفاظ على النظامِ السياسيِّ الحاكمِ. قدّمت الخدمة العسكرية الإلزامية مُساهمة مُتواضعةً في تحقيق الاندماج الاجتماعي قبل النزاع الحاليّ، ولكنّها تُستخدم الآن بشكلٍ أساسي كأداة عقابيةٍ لمُكافحةِ التمرّدِ. وكثيرًا ما يدفعُ أبناء الطبقة الوسطى بَدَل إعفاء من الخدمة أو يستخدمون علاقات شخصية لتجنّبِ الخدمة العسكرية، مما ساهم في زيادة الالتحاق بالجامعات وفي زيادة أعداد اللاجئين الشباب من الذكور.
وحظيت المُؤسسة العسكرية بمُستويات عالية نوعًا ما من الثقة الاجتماعية حتى انتفاضة 2011، على الرغم من المعاداة الواسعة النطاق للنظام السياسي الحاكم ومظهر الهيمنة العلويّة والمحسوبية في القوّات المسلّحة، لكن اتسعت فجوة الثقة منذ ذلك الحين. وتنظر شرائح كبيرةٌ من المواطنين إلى المؤسسة العسكرية بالريب الشديد، حيث يرون أنّها تتصرّف بالنيابةِ عن النظام السياسيِّ الحاكم والأقليّة العلويّة. ويمتدّ الشعور بانعدام الثقة هذا ليشمل مُواطنينَ آخرين ممّن يُعْتَبرون مُوالين أو مُطيعين للنظام، اللذين رفضوا أداء الخدمة العسكرية خارج مسقط رأسهم أثناء الحرب. ويرى آخرون، وخاصَة في الطائفة العلويَة، أن المؤسسة العسكرية تُمثّلُ البلاد بإخلاص أكثر من أولئك اللذين يعتبرونهم مُنشقّين. ويُسلّط جزءٌ من المُواطنين الضوء على دور المؤسسة العسكرية السابق في قمع تمرّد الإخوان المسلمين، في حين يسلط آخرون الضوء على دورها الوطني في الحروب ضدّ إسرائيل.
وتُمجّدُ وسائل الإعلامِ الرسمية دور القوّات المسلّحة وإنجازاتها المُفترضة، لكن مشاركة القوّات المسلّحة في حملات العلاقات العامة أو غيرها من الجهود لتشكيل أو تلميع صورتها العامة تبقى محدودة. قبل عام 2011، كان يُنظر إلى الوظائف العسكرية على كونها وسيلةً للارتقاء الوظيفي واكِتِسَابِ النُفُوذِ، خاصة في العلويّينَ والمُسلمين السُنّة في المُحافظاتِ. ومنذ ذلك الحين، دفعت الحاجة إلى الأمن الوظيفي إلى زيادة القُوى البشرية إلى تنسيب العلويّين بأعداد تناهز أعلى مُستوياتها التاريخية.
يمنع القانون مُناقشة شؤون القوّات المسلّحة والدفاع، وقد يُؤدي الإخلال بذلك إلى عواقب. ومع ذلك، خرقت وسائل التواصُل الاجتماعي المؤيّدة للحكومة في الأوساط الاجتماعية الموالية لها هذا الحظر في بعض الأحيان، من خلال انتقاد كبارِ القادة والمسؤولين الحكوميين علنًا على حالات الفشل الظاهر وللمطالبة بتسريح جُنودِ الاحتياط بعد انتهاء فترات خدمتهم.
يخضع المنظور العسكري تجاه المدنيين إلى حدٍّ كبيرٍ لمسألة الولاء السياسي، أكثر منه إلى مواقف مترسِّخة بعُمقٍ تجاههم. وترى القوّات المسلّحة نفسها جُزءًا لا يتجزّأ من النظامِ السياسي الحاكم وبأنها تخدم المصلحة الوطنية إلى جانب السلطات المدنية، علمًا أنها تُمارس مسؤوليةً خاصّة تتعلّقُ بالدفاع الجسدي عن الدولة وتعمل تحت تسلسل قيادي مختلف. إن الروح السائدة هي القومية-الجمهورية، بدلًا من خدمة المُجتمع. ويسمح هذا لمختلف ضباط الصف والمنتسبين تصوير أنفسهم على أنهم يتصرّفون بالنِيابةِ عن المجتمع بأكمله، حتى وإن كانوا يعتبرون بعض المجتمعات المحلية أو الفئات الاجتماعية غير موالية أو غير وطنية.
لقد أظهرت الحرب الأهلية التناقض بين كيف يرى المُجتمع المؤسسة العسكرية وكيف ترى هي نفسها، وهو تناقض حاد، وتشرح لماذا يرى العسكريّون العلويّون، الذين يغلبون في صفوف المتعاقدين الدائمين، أنفسهم المُخلصين الوحيدين للهُوية الوطنية السورية، على عكس صورة احتكار المؤسسة العسكرية أو سلطة الدولة. وبالنسبة للمؤسسة العسكرية، يُنظر إلى الولاء السياسي على أنه أمرٌ أساسيٌّ لأداء دورِهَا الوطني، ولذلك فإن سياسات التنسيب العسكري مُوجّهةٌ نحو التحقُّقِ من المواقف تُجاه حزب البعث العربي الاشتراكي بدلًا من السعي بنشاط للإدماج الاجتماعي أو التمثيل الجُغرافي، ممّا يساهم في هيمنة العلويّين في صفوف القوّات المسلّحة.
هذا، ولا يبدو أن العسكريون يشعرون بأنهم يستحقّون رواتبًا أو معاشاتٍ تقاعُديةٍ أو ظروفٍ عمل أخرى أفضل من المدنيين. وتُصوّر وسائلُ الإعلامِ الحُكومية المؤسسة العسكرية بشكل إيجابي للغاية، لكن القوّات المسلّحة لا تبذُل جهودًا مُعتبرة في مجال العلاقات العامةِ سوى على نطاق محدود.
إن صعوبة الفصل الحاد بين المجالين العسكري والمدني يعني أن القوّات المسلّحة ترى التعاون العسكري المدني والتنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكلٍ عام خارج اخْتصاصِها. لا تتواصلُ المؤسسة العسكرية مع المدنيين، وتَفتقِرُ إلى عقيدةٍ واضحةٍ أو طاقمٍ مُخصصٍ للتعاون العسكري المدني. وتتضمّنُ مناهجُ التعليم العسكري مجموعةً محدودةً من المساقات التدريبية في الشؤون المدنية، لكن لا تُعطى أهمية لهذه المساقات ولا تُثري الاستشارات الروتينية أو التنسيق مع الجهات المدنية. لدى القوّات المسلّحة إدارة سياسية تُنظّمُ أحيانًا اجتماعات وحملات عامة، لكن هذا لا علاقة له بالتعاون العسكري المدني.
س1 - النظرة المدنية
|
س2 - النظرة العسكرية
|
س3 - التعاون العسكري المدني
|