إن الإطار الدستوري والقانوني الذي يحكُم العلاقات العسكرية المدنية في سورية محدود للغاية، ويُركّز السُلطة بيدِ رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوّات المسلّحة. وينتج عن هذا مُستوًى عالٍ من التفسير التقديري والتعسّفي والطابع غير الرسمي خلفَ واجهةٍ من الإجراءاتِ القانونية البيروقراطية. وتتشكّل العلاقات العسكرية المدنية من خلال مُستوى عالٍ من الترابُط بين النظام السياسي الحاكمِ، المُرْتكز على رئيس الجمهورية مدعومًا من حزب البعثِ العربي الاشتراكي الذي يرأسه، وبين القوّات المسلّحة العربية السورية (التسمية الرسمية). ويُقلِّل هذا من مشاركة القوّات المسلّحة في الشؤون غير الدفاعية، ولكنه يزيد أيضّا من استقلاليتها عن المؤسسات المدنية ورقابتها.
لقد شكّلت القوّات المسلّحة الدعامة الأساسية في جهد الحكومة لفرض النظام العام ردًا على انتفاضة عام 2011، وتحمّلت العبء الأكبر من الحرب الأهلية التي تلت ذلك، ممّا قوّض بشدّة قُدرتها على الدفاع عن الأراضي السورية ضدّ التدخّلاتِ والتوغّلاتِ العسكرية الخارجية المُتعدّدة. وولّد النزاع علاقةً عضوية بين رئيس الجمهورية والقوّات المسلّحة حيث يضمن كلّ مُنهما بقاءَ الآخر بشكله الحالي.
يتمتّع رئيس الجمهورية بسُلطة تنفيذية كاملة على القوّات المسلّحة ويجوز له تفويضُ هذه السلطة إلى أشخاصٍ أو كياناتٍ أخرى متى شاء. ولا يمنح الدستور القوّات المسلّحة امتيازًا على مؤسسات الدولة الأخرى وليس لديها حُقوقٌ رسمية فوق الدستور، ولكن مع ذلك تتمتّع بقدرٍ كبيرٍ من الاستقلالية بسبب علاقتها العضوية مع النظام السياسي الحاكم، الذي يُمثّلُه الرئيس عند قمته والذي تُعزّزه المكانة الخاصّة لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي يرأسه أيضًا في داخل المؤسسة العسكرية.
يلعبُ وزير الدفاع واللجان المُخصّصة والمشاورات غير الرسمية التي تدور حول الرئيس وفي دائرته دورًا مُهمًّا في تحديد سياسة الدفاع والموازنات والتعيينات العسكرية العُليا والقيادة والسيطرة العملياتية. يُطلب من مجلس الوزراء ومجلس الشعب المُصادقة على موازنة الدفاع والتشريعات المتعلقة بها، لكنّهُما يفتقرانِ إلى السُلطة الفعليّة لاقتراح أو رفض مشاريع القوانين. وتخضعُ القوّات المسلّحة لوزير الدفاع بقدر ما يُمثّل إرادةَ رئيس الجمهورية، إلاّ أنها تستجيبُ أيضًا إلى تسلسلاتٍ قياديةٍ غير رسمية أخرى. وبصفته نائب القائد الأعلى للقوّات المسلّحة ونائب رئيس مجلس الوزراء ومسؤول كبير في حزب البعث العربي الاشتراكي، وكذلك ضابطًا عسكريًا حسب العُرْفِ القائم، يلعب وزير الدفاع أيضًا دورًا في الإشراف على التخطيط العسكري والعقود وإعدادِ الموازنة والتنسيب.
وتخضع وزارة الدفاع لقانون عقود ومبايعات ومبيعات يشبه إلى حد كبير ما تخضع له الكيانات المدنية، وتخضع لمُراجعة مُماثلة من قبل الجهاز المركزي للرقابة المالية، على الرغم من أن الأدلّة المرْوِيّة تُشير إلى أن هذه الأطر القانونية والتنظيمية تُنْتَهَكُ بشكلٍ روتيني دون مُحاسبة. إن مُناقشة شؤون الدفاع محظورة بحُكم القانون، كما يُعَاقَبُ أي نقاش حولها بدعوى حمايةِ الأمنِ القومي في دولةٍ في حالة حرب رسمية مع دولة إسرائيل المجاورة. وتُعدّ الميليشيات المُوالية للحكومة التي ظهرت أثناء الحرب الدائرة منذ عام 2011 ذاتَ مكانةٍ قانونيةٍ لكونها "قُوّات إضافية تنشأ عند الضرورة" تحت قيادة القوّات المسلّحة، ولكن غالبًا ما تبقى هذه المليشيات خارجَ سلسلةِ القيادية العسكرية العادية وخارج السيطرةِ السيادية.
للمؤسسة العسكرية واجبٌ رسميٌّ مُتمثّلٌ في حماية الدستور والدولة، لكن لها أيضًا دور فعلِي في الحفاظ على النظام السياسي الحاكم. ويتجلّى ذلك من خلال التداخل الرسمي المُكثّف لحزب البعث العربي الاشتراكي المُهيمن داخل هيكلية القوّات المسلّحة ومن خلال وجود تسلسل قيادي مُوازي وغير رسمي تحت إشراف رئيس الجمهورية. ولهذه العلاقة العُضوية مزيد من العواقب ومن بينها أسبقية الولاء السياسي على الكفاءة الاحترافية في التعيينات القيادية وهيمنة الروابط الجماعية والعشائرية في أنماط التنسيب والتعيين في سلك الضباط.
وقد كان لهذا آثارًا خطيرة على هُوية وتماسك المؤسسة العسكرية، وعلى القيادة والسيطرة والقُدرة والأداء العملياتيين. كما منعت توسيع إعادة بناء القوّات المسلّحة خارج نواتها السكانية الجماعية بعد سنواتٍ من النزاع المسلح. إن وحدة المصالح المُتصورة بين القوّات المسلّحة والنظام السياسي الحاكم تعني أن وزير الدفاع يُمكن أن يُمثّل إرادة رئيس الجمهورية والمصالح المؤسساتية العسكرية في آنٍ واحد.
وللمؤسسة العسكرية مُشاركةٌ منهجية ضئيلة أو مُنعدمة في الشؤون غير الدفاعية. وينطبق الشيء ذاتهُ، بشكل عام، على فئة قليلة من الضباط المُتقاعدين الذين يُكَافأ ولاءهم بالتعيينات في الإدارة المحلية والخدمة المدنية والسلك الدبلوماسي ومجلس الشعب. لكن ليس لهم تأثيرٌ على الشؤون العامة بالنيابة عن المؤسسة العسكرية. ويتمتّع العسكريين العاملين في الخدمة بمُعظم الحقوق المدنية والسياسية للمواطنين الآخرين، بما في ذلك الحقّ في التصويت، ولكن لا يجوز لهم الترشح للمناصب.
لقد تآكلت سيطرة الحكومة على المؤسسة العسكرية بصفةٍ ملحوظةٍ، حيث تُمارس الجهات الحكومية الأجنبية سيطرةً إداريةً وماليةً، وعملياتية في بعض الحالات، على الميليشيات المُوالية للحكومة. وتُمارس هذه الجهاتُ الفاعلةُ نفوذًا كبيرًا على الفيالق العسكرية المُشكّلةِ حديثًا التي تدمج تلك الميليشيات وحتى على بعض وحدات الجيش النِظامية. وتُؤثّر المصالح الأجنبية أيضًا على التعيينات القيادية، وأبرز مثال فراغ منصب رئيس أركان الجيش منذ بداية عام 2018 والتغييرات المُتكرِّرة في صُفوف كبارِ الضباط.
لا تقوم القوّات المسلّحة بمهام الحفاظ على النظام العام بشكلٍ روتينيٍّ في الأوقات العادية، لكنها أصبحت الدعامة الأساسية لردّ فعل الحكومة بمُجرّد أن تحوّلت انتفاضةُ 2011 إلى حربٍ أهليةٍ. في السابق، كان لهيكلية القوّات المسلّحة وانتشارها الجغرافي دور غير مباشر في فرض السيطرة على المواطنين، وكانت أجهزةُ المُخابرات العسكرية تقوم بشكلٍ روتيني بالمُراقبة الداخلية والتحقيقِ والاعتقال. ويستند دورُ المؤسسة العسكرية في الحفاظ على النظام العام جزئيًا إلى نصٍّ قانونيٍّ يسمح لرئيس الجمهورية، حسب تقديره الخاص، بوضع على المؤسسة العسكرية حالة حرب لمُواجهة التهديدات الداخلية، وإلى النص القانوني الذي يجعل أجهزة إنفاذ القانون والأمن الداخلي قُواتٍ فرعية تحت قيادة القوّات المسلّحة.
ولا توجد قُيود رسمية على الصلاحيات التي يتمتّعُ بها رئيس الجمهورية ولا على نطاق أو مُدة مهامّ الحفاظ على النظام العام التي يُمكن أن تقوم بها المؤسسة العسكرية. في الحرب الأهلية الجارية، تترأّس المؤسسة العسكرية دائمًا اللجان الأمنية المحلية والإقليمية التي تشمل أجهزة إنفاذ القانون والأمن الداخلي. لكن التنسيق عشوائيٌّ واعتباطي، ممّا يُؤدي إلى ازدواجيةِ الجهود والتوترات. وتنشأ نزاعات حادّة بين المؤسسة العسكرية من جهة، وبين أجهزة إنفاذ القانون والأمن الداخلي من جهة أخرى، وفي داخل كُلٍّ من هذين القطاعين أيضًا. وينتج عن هذا تعارُضٌ لأوامرِ بعضهم البعض، ويُقوّض تسلسُل القيادة المُعتاد ويُفسد التوجيهات السياساتية الصادرة عن الحكومة وحتى عن رئيس الجمهورية. كما تُؤدّي الميليشيات المُوالية للحكومة أحيانًا مهام الحفاظ على النظام العام بشكل مُستقل عن المؤسسة العسكرية وأجهزةِ إنفاذِ القانون والأمن الداخلي.
ليس لدى القوّات المسلّحة قواعدُ عملياتية عامة أو مُدوّنات سلوك تُنظّمُ مهامّ الحفاظ على النظام العام في الأوقات العادية، وقد قامت بمثل هذه المهام أثناء الحرب الجارية كعمليات قتالية عادية في ظلّ هيكليّات قيادية اعتباطية وُضِعتْ لهذا الغرض. إن الميليشيات المُوالية للحكومة مُلزمةٌ شكليًّا بالقواعدِ والأنظمة نفسها التي تخضع لها القواتُ النظاميةُ، لكن لا يوجد دليل على تطبيق هذه القواعد. لقد أدّى انخراط المؤسسة العسكرية الكامل في الحرب الأهلية إلى تدهور حاد لقُدرتها الدفاعية الوطنية وتركها تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على الدعم المُستمر ّوالتدخّلِ المُباشر من قِبل الجهات الأجنبية.
س1 - أدوار محددة جيدًا
|
س2 - المشاركة السياسية
|
س3 - الدور في الحفاظ على النظام العام
|