المنهجية
 
لماذا نماذج "نُضْج الكفاءة"؟ 

تَكمُن المعضلة المركزية في العلاقات العسكرية المدنية في كيفية تمكين المؤسسة العسكرية في مهمّة الدفاع الوطني، مع ابقائها تحت السيطرة. وعانى المحلّلون وصانعو القرار السياسي، على حدّ سواء، لمعرفة أفضل السُبُل لقياس حالة العلاقات العسكرية المدنية في أي بلد معيّن. تُركّز بعض الأساليب على النزاع بين الجهات العسكرية والمدنية، لا سيما بالتطرّق إلى تاريخ الانقلابات أو التوتّرات البيروقراطية. وتُركّز الأساليب الأخرى على التحصين من الانقلابات أو على الخُطوات الّتي يتخذها قادة الدولة لمنع المؤسسة العسكرية من الاستيلاء على السلطة، وخاصّة عبر إنشاءِ قوّات عسكرية مُوازية لبعضها البعض، أو هيكلة القوّات على أساس سياسات الهُويّة أو الاستبدال المُتكرّر للضباط في المناصب العسكرية العليا.

تَشكو هذه الأساليب لقياس حالة العلاقات العسكرية المدنية من مُشكلتين رئيسيتين. أولًا، تجعل هذه الأساليب المقارنة بين البلدان صعبةً. فعادةً ما تكون الأحداث التي يتم القياس عليها نادرةً ولها سوابق مُعقَّدة، ممّا يجعلها مُؤشرًا غير موثوقٍ به على حالة العلاقات العسكرية المدنية في بلد ما. إن تحليل التوتُّرات البيروقراطية أو سياسات الهوية، إضافةً إلى المُؤشرات الأخرى للنزاع أو التحصين من الانقلابات، يفسحُ المجال لتحليلٍ مُتعمّق مبنيٍّ على دراسة الحالة، كالذي يُقدّمه مُؤشر توازن. في الواقع، ركّز العديد من الدراسات الأكاديمية للعلاقات العسكرية المدنية، كالتي قام بها صامويل هنتنغتون وموريس جانوفيتز وألفريد ستيبان، على حالةٍ واحدةٍ أو عددٍ محدودٍ من الحالات عُمومًا. وحتى اليوم، من النادر العثور على دراساتٍ للعلاقات العسكرية المدنية ترتكزُ على تحليل إحصائي واسع النطاق.

وتتمثّل المشكلة الثانية، وربّما الأعمق، في محدودية الأساليب الحالية لقياس العلاقات العسكرية المدنية، في أنها لا تتعامل مع هذه العلاقات كمنظومة تضُمُّ مجموعة من المكونات التي قد تتكامل جيدًا أو قد لا تتكامل، ممّا ينعكسُ على زيادة الكفاءة أو انخفاضها. بدلًا من ذلك، فهي تركِّز على أجزاءٍ مجتزأة من هذا الكُلّ، على الرغم من أن التفاعلات بين الجهات العسكرية والمدنية تميلُ إلى أن تكون مُعقّدةً في الواقع. وبناءً على ذلك، ينبغي أن تتّبع أساليب قياس العلاقات العسكرية المدنية أسلوبًا منهجيًا يتطلع إلى المنظومة بمجملها، ويجمعُ بين عناصرها المُتعدّدة والتفاعُلات بينها، في آنٍ واحدٍ. إن هذا في غاية الأهمية بالنسبة إلى العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية، حيث يَصعُب الحصول على المعلومات الملموسة وحيث قد يُؤدّي إصدار الأحكام المُسبقة التي تستَنِدُ إلى أدلّة مُجزّأة إلى استنتاجاتٍ لا أساس لها من الصِحّة.

إن توازن: مُؤشر العلاقات العسكرية المدنية العربية يقيس كفاءة العلاقات العسكرية المدنية مستعينًا بـنماذج "نُضْج الكفاءة." التي هي أدوات لإدارة وتقييم أداء المنظومة للمُقارنة بين البلدان. ويُمكن أن تُساعد هذه النماذج صانعي القرار السياسي والمُحلّلين في تحديد احتياجاتِ التطوير الدفاعي وتخفيف المخاطر وقياس أداء منظومة العلاقات العسكرية المدنية. ومن خلال التركيز على الكفاءة بدلًا من النزاعات أو التحصين من الانقلابات، يُمكن أن يساعد مُؤشر توازن، أيضًا، صانعي القرار السياسي والمحلّلين على فحص العلاقات العسكرية المدنية بطريقة منهجية متينة، بدلًا من الاعتماد المُفرط على الروايات ودراسات الحالة .


كيف تعمل نماذج نُضْج الكفاءة 

تُقيّم نماذج نُضْج الكفاءة  كفاءة منظومة ما مُستعينةً بأدواتٍ مرئية وأخرى كميّة. لقد تمّ استخدامها في مجموعة متنوعة من المجالات، بما في ذلك القيادة والسيطرة العسكرية والأمن السيبرانيّ. وهي مفيدة لتمثيل التغييرات الحاصلة في الوضع الراهن على مستوى القدرات الكميّة أو النوعيّة. يجعل هذا  نماذج نُضْج الكفاءة وسيلة مفيدة  لتقييم المنظومة وإجراء عمليات المقارنة المعياريّة.


يُعرَّف النُضْج بناءً على قياس المحصَّلات مُقابِل العمليّات الاجرائية. لقد ركّزت المقاييس الكمية السابقة للعلاقات العسكرية المدنية، كتواتُر الانقلابات أو إنشاء القوّات العسكرية المُوازية، على النتائج النهائية و خاطرت بالتالي بفرض القيم المعيارية. في المُقابل، يُركّزُ مُؤشر توازن على العمليات الإجرائية من أجل تقييم كفاءة منظومة العلاقات العسكرية المدنية. ومن خلال توفير مقاييس قابلة للمقارنة على مستوى المنظومة، وتطبيقها لتقييم حالة العلاقات العسكرية المدنية. يعمل مُؤشر توازن على تحسين فهمنا العملي والنظري لكيفية ارتباط الجهات العسكرية والمدنية ببعضها البعض في العالم العربي وخارجه.

عادةً ما تَستخدمُ نماذج نُضْج الكفاءة المُستَويات المُوضَّحَة في الجدول أدناه، لوصف كفاءة العمليات الاجرائية في منظومة ما. كما يُوضّح هذا الجدول المُستويات المُستخدمة في مُؤشر توازن.



مستويات نُضْج الكفاءةتعريف مستويات نُضْج الكفاءةمستويات الكفاءة في
مُؤشر توازن
 
أوّلي
 
عمليات إجرائية غير مُحكمة وغير مُنتظمة
 
مُتدني جدًّا
مُحكم جزئيًّا عمليات إجرائية ارتِكاسية تحكم وتنظم أنشطة منفصلة مُتدني
مُحكم ومنتظم مؤسساتيًّا عمليات إجرائية استباقية تحكم وتنظم المؤسسة بكامل أنشطتها متوسط
مُحكم ومُنتظم وفق معايير كمية
 
عمليّات إجرائية مُحكمة ومُنتظمة معتدل
في تحسُّن عمليّات إجرائية مُحكمة ومنتظمة في تحسّن مستمر عالي

المصادر: تُرجم بتصرف عن مايك فيليبس، جامعة كارنيجي ميلون؛ توازن


يقيسُ مُؤشر توازن كفاءة أبرز العمليات الإجرائية والمُمارسات والكفاءات التي تُشكّل العلاقات العسكرية المدنية وتَحكُمها في بلدٍ ما. ويقيسُ هذا المُؤشر الكفاءة من خلال ردود الخبراء على استبيان يشمل 123 مِقياسًا، تمّ تصنيفها حسب خمسِ محاور، هي:

● الحوكمة
● الاحترافية العسكرية
● النظرة الاجتماعية والثقافية
● ماليّة قطاع الدفاع واقتصاديّاته
● المؤهلات المدنية

يتلقّى كلّ محور درجة كفاءة حسب نقاط تقييمٍ تتراوح من 1 إلى 5، ممّا يوفر لصانعي القرار السياسي وذوي المصلحة وسيلةً، ليست فقط لتحديد نقاط الضعف والفجوات، ولكن أيضًا لتصوير العلاقات بين المحاور المختلفة للمُؤشر بطريقة مرئية. وبذلك، تعمل نماذج نُضْج الكفاءة كأداةٍ لتقييمٍ ومراجعة السياسات والممارسات والعمليات الإجرائية المُرتبطة بها. بالإضافة إلى ذلك، يسمح مُؤشر توازن، بإجراء تحليلٍ مُقارن على مستوى نُضْج منظومة العلاقات العسكرية المدنية بين البلدان العربية، ممّا سيُضيف فائدةً أخرى للتقييم وتعلُّم الدروس.


منفعة استخدام نماذج نُضْج الكفاءة في مُؤشر توازن

طرح الشاعر الروماني جوفينال السؤال المركزي الذي تدور حولهُ العلاقات العسكرية المدنية: "من يحرس الحرّاس؟" يذهب مُؤشر توازن إلى ما أبعد من ذلك ليقيس، ليس فقط من يحرس الحُرّاس، بل أيضًا، مدى متانة الحراسة عليهم، ومدى جاهزية العاملين المدنيين والهيئات المدنية للعب دور الإشراف المناط إليهم. كما يقيس المُؤشر الكفاءة العملياتية وديناميات العلاقات العسكرية المدنية في البلدان العربية، ويُمكّن صانعي القرار السياسي والمحللين من تحديد مجالات عدم الكفاءة التي تُؤثِّر على العلاقات العسكرية المدنية، مع تأثيرات غير مُباشرة على محصِّلات هامة كفعالية الدولة والشفافية والتنمية البشرية.

تعكسُ نماذج نُضْج الكفاءة المستخدمة في مُؤشر توازن شبكة كفاءة، بحيث يُؤثّر تغييرٌ في مجالٍ ما على التغييرات في مجالاتٍ أخرى. يتميَّز مُؤشر توازن بتطبيقات محتملة واسعةُ النطاق، حيث أن كفاءة العلاقات العسكرية المدنية في البلدان العربية تستند إلى مجموعةٍ من العوامل، بما في ذلك أنظمة الحوكمة والكفاءات المدنية في الشؤون الدفاعية والتحولات في دور القوّات المسلّحة العربية منذ عام 2011 وموروث دول الحزب الواحد للقوّات المسلّحة في المجال السياسي والأنشطة العسكرية التجارية وأثر الحروبِ الأهلية والطائفية.

يُمكن لصانعي القرار السياسي والمُحللين والباحثين الأكاديميين استخدام نماذج نُضْج الكفاءة في مُؤشر توازن بأربع طُرق مختلفة. أولًا، يُمكن لصانعي القرار السياسي مُعالجة مجالات مُحدّدة من عدم الكفاءة في العمليات الإجرائية التي تُنظِّم العلاقات بين الجهات المدنية والعسكرية. ثانيًا، يُمكن للمُحللين والمهنيين وَضع الخطَط للتخفيف من أو للتغلب على المجالات الرئيسة لعدم الكفاءة في الحالة الراهنة للعلاقات العسكرية المدنية. ثالثًا، يُمكن لأصحاب المصلحة استخدام نماذج نُضْج الكفاءة في مُؤشر توازن لتقييم التطوُّرات في الكفاءة مع مرور الوقت. رابعًا، على مُستوى طموحٍ أكثر، بمُجرّد توسيع رُقعة استبيانات الخبراء لتشمل جميع البلدان العربية، يُمكن للأكاديميين استخدام نماذج نُضْج الكفاءة هذه لبناء إطار نظريٍّ صالح لفهم وتقييم العلاقات العسكرية المدنية، ليس فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل وفي جميع بلدان العالم.



 
آخر التغريدات


تواصل معنا