قُوبل قرار وزارة الدفاع الكويتية حول دمج النساء في القوّات المسلّحة بردِ فعلٍ إيديولوجيٍ عنيف، بما في ذلك من قبل نواب مجلس الأمة.
في تشرين الأول/أكتوبر 2021، أفادت تقارير واردة من جميع أنحاء العالم أنه سيُسمح للمرأة الكويتية المشاركة في أدوار قتالية في القوّات المسلّحة، بعد أن كانت أدوارها في وزارة الدفاع مقتصرة على أدوار مدنية. وردت هذه الأخبار إثر صدور قرار وزاري تاريخي من قبل نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الشيخ حمد جابر العلي الصباح، قال فيه: "نحن بحاجة إلى الأدمغة أكثر منه إلى العضلات." لذا، ومن أجل الدفاع عن الوطن، يتعين على القوّات المسلّحة الكويتية أن تستغل مواهب "النصف الآخر من المجتمع."
بالرغم مما جاء في التقارير الإخبارية، يبدو أن الشيخ حمد لم يقصد الإيحاء بأن المرأة الكويتية ستعمل في الوقت الحالي في الصفوف الأمامية للقوّات المسلّحة - بل أوضح أنه سيتم تحويل الكويتيات العاملات حاليًا في خدمات الإسناد العسكري وفي مستشفيات القوّات المسلّحة، والبالغ عددهن 466 امرأة تقريبًا، بالإضافة إلى النساء اللاتي سيتم تجنيدهن، من مدنيات إلى عسكريات. وبالتالي سيُصبحن جزءًا من التسلسل الهرمي العسكري، كضابطات إختصاص وضابطات صف. كما أشار الشيخ حمد إلى مجال تكنولوجيا الدفاع والفضاء الإلكتروني، ودَعا المزيد من النساء للمشاركة في الحفاظ على "أمن واستقرار الكويت من أي خطر خارجي."
وقد لقيت هذه الخطوة ترحيبًا في كثير من الأوساط. حتى أن النشطاء حثّوا وزارة الدفاع على المُضي قُدُمًا وإتاحة جميع الفرص - سواء كانت في وحدات القتالية أو غير قتالية - للنساء. وصدرت إرشادات دُعيت فيها النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 18 و26 عام، واللائي يتمتعن بلياقة بدنية من حملة الشهادات الجامعية أو الدبلوم أو الشهادة الثانوية للتسجيل. وعندما فُتح باب التسجيل الرسمي في 21 كانون الأول/ديسمبر 2021، تقدّمت 137 امرأة كويتية للتسجيل في اليوم الأول فقط. كما تم إعداد برنامج تدريب عسكري خاص.
لكن، وفي الوقت الذي كان من المقرّر أن يبدأ فيه التدريب، أعلن الشيخ حمد إيقاف هذا التدريب بصورة مفاجئة، سعيًا للحصول على موافقة رجال الدين. وتعرضت خطته لهجوم متواصل في مجلس الأمة الكويتي، وخصوصًا من قبل النائب حمدان العازمي، الذي تصدر مجموعة من عشرة نواب لتقديم إلتماس يُطالب فيه بحجب الثقة عن الوزير، وهي محاولة باءت بالفشل في نهاية المطاف. وتعرض الشيخ حمد لاستجواب مُطول في مجلس الأمة. كما احتج نواب آخرون على أمكانية مطالبة المرأة العسكرية ب"المبيت خارج منزلها،" إذ يعتبر هذا مخالفًا للشريعة الإسلامية، والعادات والتقاليد الكويتية بحسب رأيهم.
بالفعل، أصدرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الكويتية فتوى في 26 يناير 2022، أجمع فيها رجال الدين على منع الكويتيات من الالتحاق بالمؤسسة العسكرية وارتداء الزي العسكري- مع العلم بأن النص الأصلي لهذه الفتوى غير مُتاح للعموم.
في أعقاب هذه الفتوى التحريمية، وربما سعياً لإيجاد حل وسط، أصدر الشيخ حمد على الفور ستة قواعد جديدة تحكم خدمة الإناث في المؤسسة العسكرية وتتمثّل في: مُوافقة ولي الأمر أو الزوج، الالتزام بارتداء الحجاب أثناء الخدمة العسكرية، حصر مجالات عمل المرأة في الخدمات الطبية والتقنية والإسناد العسكري، حظر مشاركة العسكريات في التمارين الميدانية والتكتيكية، حظر حمل السلاح، ووجود وظائف شاغرة في المؤسسة العسكرية. وانطلاقا من جوهر حُجته الأصلية التي أوضح من خلالها أن القوّات المسلّحة الكويتية تقف "أمام حقبة جديدة،" أصرّ الشيخ حمد أن خطته لإدماج الكويتيات في القوّات المسلّحة "لم تأت بشيء جديد،" وذلك لاقتصار خدمة العسكريات على "الوحدات الطبية والإدارية ووحدات الإسناد العسكري، وهي التخصصات التي تعمل بها المرأة حاليًا في وزارة الدفاع."
في الوقت الحاضر أصبح الأمر في يد المحكمة الدستورية، حيث يعتبر العديد من النُشطاء أن قرار فرض الحجاب على وجه الخصوص أمر تمييزي، وبالتالي غير دستوري. من جانبه، استقال الشيخ حمد من منصبه، فجأةً، في 17 شباط/فبراير 2022، كما استقال وزير الداخلية، احتجاجًا على الاستجوابات المُطوّلة والمُسيّسة للوزراء من قبل البرلمانيين و"سوء استخدام القوانين والأدوات الدستورية،" بهدف ممارسة ضغوط لا داعي لها على الحكومة. ويشغل وزير الخارجية الآن منصب وزير الدفاع بالنيابة.
تزامنت هذه الضجّة حول دمج الكويتيات في المؤسسة العسكرية، وخصوصًا تضمين أجسادهنّ وملابسهنّ في الجدال، مع إدخال الحملات النسائية لسلسلة من الانتهاكات طويلة الأمد حيز الفضاء العام في الكويت. وشملت هذه الحملات مواضيع كان طرحها محرم في الماضي، كالتحرش الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي. حيث طالبت الكويتيات، في الشوارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، الشرطة بمعالجة تقارير الانتهاكات بجدية أكبر، وكذلك طالبنّ بتعديل الإطار القانوني. إذ يسمح قانون العقوبات الكويتي، على وجه التحديد، "بالعنف الجسدي ضدّ المرأة،" ويمنح الرجل الحق في "تأديب" النساء جسديًا، ويسمح للخاطف الذكر بالزواج من المرأة التي اختطفها، كما يسمح للأقارب الذكور بقتل النساء اللائي ضُبطن مُتلبسات في أعمال زنا.
كانت حركة الاحتجاج الحالية مدفوعة بواحدة (من بين العديد) من جرائم قتل النساء المأساوية في عام 2020، عندما طُعنت حارسة الأمن شيخة العجمي، والتي كانت تعمل في مبنى مجلس الأمة الكويتي، حتى الموت على يد شقيقها الأصغر المراهق الذي كان رافضًا وبشدّة لوظيفتها وللزي الرسمي الذي كانت ترتديه خلال تأدية واجبها المهني. ولم تُعطي انتخابات الكويتية لعام 2020 أيّ مقعد للنساء في مجلس الأمة، على الرغم من وجود رقم قياسي من الكويتيات اللائي تنافسنّ للظَفَرِ بذلك. وبالتالي "لم يُقدّم مجلس الأمة المكون من الرجال فقط تعازيه" للعجمي. كما تم ارتكاب جريمة مُروّعة أخرى في نيسان/إبريل 2021، قُتلت فيها فرح حمزة أكبر أمام ابنتها الصغرى على يد رجل كان يطاردها، لرفضها الزواج منه، وبعد إطلاق سراحه بكفالة إثر مُضايقتها. لازالت الكويتيات تُكافحن أيضًا للتحرك ولو حتى قيد أنملة في قضايا أقل أهمية، وإن كانت تحمل معاني رمزية كبيرة. ففي هذا الشهر، أُجبرت الكويتيات على التظاهر ضدّ حظر وزارة الداخلية لممارسة اليوغا النسائية. وكُتب على بعض اللافتات التي حملتها المتظاهرات: "الكويت دولة مدنية" و"الحكم في الكويت دستوري."
من الصعب التنبؤ بموعد إصدار المحكمة الدستورية لقرارها بشأن وضعية المرأة في المؤسسة العسكرية الكويتية. لكنّ تُوضّح ردّة الفعل العنيفة، لا سيما من النواب الذكور الذين يؤيّدون الإيديولوجيات الجندرية المُحافِظة بشدّة، كيف يمكن استغلال المؤسسات والأجهزة الديمقراطية الرسمية مثل مجلس الأمة الكويتي - وهو الجهاز الوحيد في منطقة الخليج الذي يتمتع بسلطات تشريعية واسعة ويتحدى الحكومات والأسر المالكة علنًا - لخدمة القيم التي تتعارض بشكل صارخ مع رُوح الديمقراطية.
تترأس علياء براهيمي بحث حول النساء في القوّات المسلّحة العربية ضمن برنامج العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية في مركز مالكولم كير–كارنيجي للشرق الأوسط، وذلك بتمويل من وزارة الخارجية البريطانية، صندوق التحليل السريع للأمن الدولي. كما وشغلت براهيمي سابقًا مناصب في جامعة أكسفورد وكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية.
دعاء النخالة هي باحثة في إطار مشروع النساء في القوّات المسلّحة العربية. كما وتشغل منصب محلّلة أبحاث في برنامج العلاقات العسكرية المدنية في الدول العربية التابع لمركز مالكولم كير–كارنيجي للشرق الأوسط.