يُحلّل كتابي، الجيش المصري والإخوان المسلمين، علاقات القوّة بين القوّات المسلّحة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين خلال فترات زمنية مختلفة. كما يُناقش تجدُّد الخصومة بينهما منذ الثورة في عام 2011. إذْ يُثير هذا الكتاب تساؤلات عدة، منها: لماذا أصبح الطرفين غريمين؟ كيف أثّرت هذه الخصومة على الساحة السياسية المصرية؟ وماهي عواقبها؟ أطرح في الكتاب فكرة أن أوجه التشابه بين كلاً من الطرفين، أي جماعة الإخوان المسلمين والقوّات المسلّحة المصرية، أدت إلى بروزهما كخصمين سياسيين. أدى ذلك بدوره إلى أحداث مختلفة من أعمال العنف الجماعي واحتكار القوى غير المدنية للساحة السياسية. فمن خلال تسليط الضوء على إحدى ديناميات القوّة التي ظهرت وأدت إلى تداعيات واسعة النطاق على المستويات الفردية والوطنية والإقليمية، يعرض كتابي رحلةً في قراءة واقع المنطقة - وبالتحديد، واقع مصر - برؤيةٍ نقديةٍ مختلفةٍ.
تباينت تداعيات الثورات العربية في المنطقة وتواصلت على هيئة موجات في بعض البلدان. ففي مصر، أطاح انقلاب عام 2013 بالرئيس محمد مرسي المنتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. وبذلك، أنهت القوّات المسلّحة المصرية صراعًا على السلطة كان قد نشب بينها وبين الإخوان المسلمين منذ ثورة عام 2011. ومن ثم، حيّدت القوّات المسلّحة خصومها المُحْتَملين، ووضعت حدًّا للمشاركة السياسية من قبل المدنيين عمومًا.
على الرغم من هذه النتيجة، فإن أوجه التشابه - وليس الاختلافات – جعلت جماعة الإخوان المسلمين والقوّات المسلّحة خصمين عبر تاريخ البلاد وكذلك مُؤخرًا. إن الاختلافات بين جماعة الإخوان المسلمين والقوّات المسلّحة المصريّة جليةٌ، أذ تُعدّ الأولى بحسب زعمها "حركة مجتمعية،" وإثر عام 2011، صارت حزبًا برلمانيًا شرعيًا. بينما تُعدّ الثانية جهازًا من أجهزة الدولة الرئيسة. وبالرغم من ذلك، فيُعتبر كل منهما فاعلاً سياسيًا مُشابهًا للطرف الآخر في ستة أوجه رئيسة، ألا وهي التسلسل الهرمي، والطاعة، والحكم المطلق، والسرية، والنظام، والغيرية. تفسر أوجه التشابه هذه، الصدامات الدورية والعنيفة بين جماعة الإخوان المسلمين والقوّات المُسلّحة المصرية.
كما يبين تحليل خطاب القوّات المسلّحة المصريّة وأبحاث كُلٍ من روبرت سبرينغبورغ ويزيد صايغ وزينب أبو المجد، وغيرهم، مدى الترسخ الاجتماعي والسياسي لهذا الخطاب. ومن ناحية أخرى، تؤكد الدراسات والبحوث حول جماعة الإخوان المسلمين، مثل كتاب ريتشارد ميتشل الذي تطرّق إلى السنوات الأولى لتأسيس الجماعة، ودراسات ماري فانيتزل الإثنوغرافية الأخيرة، أهمية الخطاب الداخلي للإخوان في تحديد أوجُه التشابه بين كلا الفاعِليْن السياسيين.
إنّ مفهوم الجندية الذي يُرسخُه كلا الطرفين بين أتباعهما ما هي إلا قشرةٌ لأوجه الشبه بينهما. بالنسبة للقوّات المسلّحة، إن حياة الجندية تُمْليها طبيعة المؤسسة العسكرية ذاتها. لكن، بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فيتم ترسيخ مفهوم الجندية من خلال الخطاب والممارسات الداخلية المتبعة.
مكَّنني تحديد أوجه التشابه السته بين هاذين الفاعلين السياسيَّين وتحليل خطابهما السياسي الداخلي والخارجي، من رسم ملامح الخطاب العلني المباشر والموجه من قبل كل منهما للآخر وكيفية تشكيلهما للخصومة بينهما عبر خطابهما الداخلي، والذي يتم الحفاظ عليه من خلال التشابهات بينهما.
أدى هذا إلى تَجَدُّد المعركة بين جماعة الإخوان المسلمين والقوّات المسلّحة واستنهاض العناصر الستة، والتي ساهمت بدورها في تشكيل هوية هاذين الفاعِليْن السياسيين والمحافظة عليها. إلا أن هذا ترك في الوقت ذاته، مساحة ضيقة للمدنيين.
يوضح هذا التحليل محدودية المساحات السياسية، والاجتماعية، والجغرافية المخصصة للمدنيين، أي المواطنين بصفتهم فاعلين سياسيين وأفراد في المجتمع. بالرغم من أن الإخوان المسلمين هم مدنيون، إلا أن المقابلات التي أجريتها معهم، وتحليل السرد الذي كتبه بعضهم يوضحان أن جماعة الإخوان المسلمين لا تُعتبر فاعلاً سياسيّا مدنيًا أو منظمة سياسية مدنية. في الواقع، صنّف من أجريتُ مقابلاتٍ معهم من غير أعضاء الجماعة، والمنتميين إلى الأحزاب السياسية الأخرى الإخوان المسلمين كإسلاميين. يجنب وصف الإخوان المسلمين بإسلاميين الأحزاب السياسية تحديات مرتبطة بتقديم نفسها كأحزاب علمانية، وما قد ينجرّ عن ذلك من رفض من طرف أنصارها المحتملين. وبالتالي وصل هذا التصنيف إلى مستوى خطاب شعبي مشترك، حيث صُنفت الجماعة كجهة غير مدنية. في خضم ذلك، أصبح الحدّ من حياة المدنيين ضمن الخطابين الإسلامي والعسكري ممارسةً شائعةً منذ عام 2014، تم من خلالهما تصنيف السكان ضمن مجموعتين إما معهم أو ضدّهم.
يفسر هذا البحث بعض أحداث العنف التي دارت بين الجهات السياسية غير المدنية في مصر. اندلعت أحداث العنف في مصر في عام 2011 واستمر إلى يومنا هذا، كما تباينت أحداث العنف هذه فيما بينها من حيث مرتكبيها، والمُتعاونين فيها، وضحاياها. كما يُظهر تقسيم الجهات إلى مدنيين وغير مدنيين المطروح في الكتاب المكانة والمساحة التي يشغلها المواطن المدني، سواء على مستوى الخطاب أو الممارسة.
يتناول الكتاب أيضًا مصطلحات كـالإرهاب - كونه شكلاً من أشكال العنف السياسي - خلال حقبات زمنية مختلفة من تاريخ مصر المعاصر، بهدف التعرف على كيفية توظيف هذا المصطلح سياسيًا لوسم الأعداء السياسيين ولنسج خطابٍ مُوحِّد من قبل الدولة. كما استُخدم مصطلح الإرهاب لتحييد المعارضة مرارًا وتكرارًا منذ عام 2013، ناعتًا أي مدني أو إسلامي مُعارضٍ للنظام العسكري بالإرهابي. إن صياغة خطاب الدولة الحالي هو جزء من السلطوية المتَجدّدة، التي زجّت - ولا تزال تزجّ - بالعديد من النُشطاء والباحثين والصحفيين وغيرهم في السجن أو أدت إلى نفيهم بالقوّة.
يترك هذا الكتاب القارئ محملاً بأفكار عدة، قد تصبح مواضيع لأبحاثٍ جديدة. فمثلاً، بما أن هنالك انقلابات عسكرية وقعت في بلدان أخرى في المنطقة، لديها ديناميات قوى عسكرية وإسلامية مماثلة، فإن المقارنة بين الجزائر ومصر والسودان، على سبيل المثال، باستخدام نفس المنهج المُتبع في الكتاب ستُفضي إلى دراسة مقارنة مُثيرة للاهتمام. ثانيًا، تعتبر مكانة المواطن في خطاب الدولة موضوعًا في غاية الأهمية. فمن الجدير بالذكر، أُضيف مصطلح المواطنة إلى الدستور المصري من قبل الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبالتالي، فإنني أطرح سؤالاً محوريًا، ألا وهو، ماهي مكانة المواطن في خطاب الدولة اليوم؟
سارة تونسي هي باحثة مشاركة في معهد بحوث ودراسات العالمين العربي والإسلامي (IREMAM)، إيكس أون بروفانس، فرنسا. "تطبيع الخطاب الديني لجماعة الإخوان المسلمين في مصر" و"الجغرافيا السياسية لضواحي القاهرة الشرقية" هي بعض من أعمالها التي نُشرت مؤخرًا. تركز سارة تونسي أبحاثها على الخطاب، والمواطنة، والمنظمات الإسلامية، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والعلاقات العسكرية المدنية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.