التحوّل العسكري الإماراتي: الموازنة بين الأمْرَتة ومحاكاة الغرب
التحوّل العسكري الإماراتي: الموازنة بين الأمْرَتة ومحاكاة الغرب
03 كانون الثاني/يناير 2022
جان لو سمعان

عزّزت التحديثات العسكرية بنية القوّات المسلّحة الإماراتية من خلال تجديد علاقاتها مع القوى الغربية. لكن، تسبّب ذلك في تضاربٍ بين الثقافتين العسكريتين الإماراتية والغربية. 

في العقدين الماضيين، تحوّلت القوّات المسلّحة الإماراتية إلى قوّة عسكرية حديثة، لتصبح الأفضل في الشرق الأوسط. واكتسبت أبو ظبي لقب "سبارتا الصغيرة،" الذي نُسِب إلى وزير الدفاع الأمريكي الأسبق جيمس ماتيس. كان التحوّل العسكري الإماراتي مدفوعًا بتطلعات وليّ عهد إمارة أبوظبي، "محمد بن زايد،" الرامية إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاستراتيجي في المنطقة. مما يعني زيادة التركيز على تطوير المهارات والموارد العسكرية المحلية. من الناحية النظرية، إن المقصود بفرض هذه "الأمْرَتة" يُحتّم تقليص الاعتماد على الدعم العسكري الأجنبي. ومع ذلك، تكشف تفاصيل التحديثات العسكرية الإماراتية عن حقيقة مُعقّدة ومُتناقضة إلى حدّ ما.

لقد عزز هذا التحوّل من فاعلية الأجهزة العسكرية الإماراتية، لكن من دون التخلي عن العلاقات الوثيقة التي تجمع "أبوظبي" مع القوى الغربية، وإنما عمل على تجديدها. في الحقيقة، أدى التحديث العسكري الإماراتي إلى توسيع توظيف الخبرات الأجنبية على جميع الأصعدة: انطلاقًا من تدريب الضباط وتعليمهم إلى قيادة وحدات النخبة العسكرية وتطوير الصناعات العسكرية المحلية. ولّد هذا الاعتماد المُفرط على الدعم العسكري الغربي ما أطلق عليه الباحثين شكلاً من أشكال "التماثُلية العسكرية،" وهي ظاهرة لا تعني فقط تبنّي أجهزة وهياكل عسكرية شبيهة بالغرب، ولكن أيضًا اعتماد نفس العقيدة والأفكار والاستراتيجيات العسكرية التي قد تتضارب في نهاية المطاف مع وجهات النظر الإماراتية.

الاستعانة بالخبرات الأجنبية

يعمل محمد بن زايد - على مستوى رفيع جدًا - مع عدد محدود من المُستشارين العسكريين الأجانب المُقربين على تحديث القوّات المسلّحة الإماراتية. من بين هؤلاء، اللواء مايك هندمارش وهو أحد الضباط المُتقاعدين من القوّات الأسترالية الخاصة، والذي يعد من أكثر مُستشاري بن زايد تأثيرًا. انتقل مايك هندمارش إلى الإمارات العربية المتحدة في عام 2009 للإشراف على تأسيس الحرس الرئاسي هناك. وبالفعل تم تأسيس الحرس الرئاسي الإماراتي في عام 2010 إذ ضمّ في صفوفه 12,000 من الرجال. أسس هندمارش الحرس كقوّة تدخل سريع  واعتمد على برامج تدريبية بمساعدة كل من مشاة البحرية الملكية البريطانية والبحرية الأمريكية. ومن بين المُستشارين الأجانب الآخرين، نذكُر الضابط الأمريكي السابق "ستيفن توماجان،" الذي لعب دورًا محوريًا في إنشاء قيادة الطيران الإماراتية-الأمريكية المشتركة. تمامًا كالحرس الرئاسي، فإن قيادة الطيران الإماراتية-الأمريكية المشتركة وحدة حديثة العهد، أصبحت مسؤولة الآن عن الطائرات والمروحيات المقاتلة التي تُدِيرها قوّات العمليات الخاصة.

يشهد أيضًا قطاع التعليم العسكري في الإمارات العربية المتحدة تأثيراً أجنبياً ملحوظًا. ففي عام 2013، أنشأت إمارة أبوظبي كليةً للدفاع الوطني واستعانت بالبنتاغون لصياغة مناهجها الدراسية. كما وُقعت اتفاقية "مبيعات عسكرية أجنبية" بين الحكومتين الإماراتية والأمريكية، ضمن ذات الإطار القانوني المستخدم لنقل الأسلحة، مثل بطاريّات صواريخ الدفاع الجوي أو الطائرات المُقاتلة. كما وتم اختيار شركة خاصة لتوظيف أعضاء هيئة التدريس بكلية الدفاع الوطني الإماراتية. إثر ذلك، اشتُقّت مناهج التدريس في هذه الكلية، إلى حدّ كبير، من المناهج العسكرية الأمريكية.

إن التأثير الأجنبي جَليٌّ أيضًا في مجال الصناعات العسكرية. إذ تناغمت الجهود الإماراتية لخلق صناعة عسكرية محلية مع الطموح إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي. في البداية، تركزت الجهود على عملية إدماج الشركات المحلية. وفي عام 2014، دمجت الحكومة ستة عشر شركة محلية في صُلب شركة الإمارات للصناعات العسكرية. انتهج محمد بن زايد نفس الطريقة التي اتبعها مع هندمارش وتأسيس الحرس الرئاسي، إذ كُلّف رجل الأعمال الفرنسي لوك فيجنيرون، الرئيس التنفيذي السابق لشركة تاليس، لقيادة عملية الإصلاح الصناعي العسكري في الإمارات. في نهاية المطاف، ترك فيجنيرون إدارة شركة الإمارات للصناعات العسكرية، حيث اندمجت هذه الشركة في شركة أخرى أكبر منها تُعْرف باسم إيدج، والتي أصبحت تسيطر الآن على معظم النشاط الصناعي العسكري في البلاد.

يُمكن القول أن شركات الصناعات العسكرية الإماراتية هي الأكثر تطورًا في منطقة الخليج. إلا أنه كان على هذه الشركات إنشاء شراكات مع شركات غربية لتطوير أنظمتها الخاصة لتحقيق ذلك التطور. فعلى سبيل المثال، وقّعت شركة أمرُك الإماراتية للصيانة العسكرية صفقات مع شركة لوكهيد مارتن، وفرعها سيكورسكاي آيروسبيس، لإعادة تصميم نسخة محلية إماراتية من مروحية سيكورسكاي يو إتش-60 بلاك هوك. كما تعاونت شركة أبوظبي لبناء السفن مع شركة نورماندي للصناعات الميكانيكية الفرنسية، والتي صمّم وأنتج مهندسوها أوّل سفينة  تابعة لشركة أبوظبي لبناء السفن في فرنسا. بعد ذلك، صُنّعت خمس سفن أخرى في الإمارات. من الملفت للنظر، تقليل شركتا أمرُك وأبوظبي لبناء السفن وحكومة الإمارات من دور تلك الشركات الأجنبية عند التشديد على إنجازاتهم الفنية.

تداعيات التأثير الغربي على هيكلية القوّات المسلّحة الإماراتية

إن هذا التضارُب بين التطلعات الإماراتية والتأثير الغربي المستمر له تداعيات جليّة على هيكلية القوّات المسلّحة الإماراتية. فعلى المستوى المؤسساتي، يبرز هذا التأثير في الأدوار الموكولة إلى الضباط الإماراتيين، وتعاملهم مع المُستشارين الأجانب، في تطوير أفكار عسكرية جديدة وفي عمليات صياغة السياسات. ويتّضح ذلك من خلال الدور الاستثنائي الذي يلعبه هؤلاء المُستشارون كـهندمارش أو توماجان في تنفيذ العمليات الحربية، مما قد يضر بالتسلسل الهرمي العسكري الإماراتي. 

سينتج استيراد الإصلاحات المستوحاة من الغرب شكلاً من أشكال "التماثُلية العسكرية" الذي من شأنه أن يؤجّج التوترات بين الضباط المحليين إزاء الطريقة التي يفرض من خلالها المدربون الأمريكيون نموذجهم الخاص للتحديث العسكري، دون مراعاة خصوصيات القوّات المسلّحة الخليجية (مثل، استمرارية التضامن القبلي داخل المؤسسة العسكرية، وطبيعة العلاقات العسكرية المدنية المُتسمة بالخلافات).

أما على المستوى القتالي، قد يُنظر إلى "التماثُلية العسكرية" على كونها مؤشّرًا للتقدم الذي أحرزته القوّات المسلّحة الإماراتية من حيث الفعالية العملياتية. لكن على المستوى السياسي الاستراتيجي، يجد هذا النموذج العسكري الغربي نفسه في تضاربٍ مع السياق الإماراتي. وبكل إنصاف، فإن وجود هذا الصدع بين الثقافات العسكرية الغربية والمحلية هو سمة مُشتركة بين بقية دول الخليج، كالمملكة العربية السعودية، وقطر التي تعتمد أيضًا على الخبرات الأجنبية في اصلاحاتها العسكرية.

عمومًا، قد يكون التحول العسكري الذي شهدته دولة الإمارات العربية المتحدة قد نجح في بناء قوّات مسلّحة حديثة قادرة على إستعراض قوّتها والقيام بعملياتٍ عسكريةٍ مُعقّدة. مما لا شك فيه، أحرزت القوّات المسلّحة الإماراتية تقدّما عل المستويين التكتيكي والعملياتي. لكن، باعتمادها بدرجة كبيرة على إصلاحات صُممت من قبل الأجانب، قامت أبوظبي بتجريب نموذج تحديث عسكري هجين، ذو ديمومة غير مؤكدة. كما أُعطيت الأولوية لأداء المؤسسة العسكرية الوظيفي - وبالتحديد، خوض الحروب - لكن من دون إيلاء اهتمام كبير للتغييرات التي تسببها المستوردات الغربية في طريقة تفكير القوّات المسلّحة الإماراتية حول تلك الحروب. في نهاية المطاف، جازفت الإمارات من خلال تحديث قوّاتها المسلّحة من دون تغيير ثقافتها العسكرية. فالزمن وحده كفيلٌ لإثبات ما إن كان المنهج مستدامًا.


جان لو سمعان هو باحث رئيس في معهد الشرق الأوسط التابع للجامعة الوطنية بسنغافورة، وزميل مساعد في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية. بإمكانكم مُتابعته على تويتر@JeanLoupSamaan.


 
آخر التغريدات


تواصل معنا