حملات الحوثيين العسكرية على مأرب
حملات الحوثيين العسكرية على مأرب
22 حزيران/يونيو 2021
إبراهيم جلال

أخطأت حملات الحوثيين العسكرية على محافظة مأرب في اليمن في قراءة مبادرات السلام الدولية وأظهرت القدرة والرغبة لمواصلة القتال.

في شباط/فبراير 2021، أزالت وزارة الخارجية الأمريكية المتمردين الحوثيين من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية لتمهيد الطريق لإعادة تقويم السياسة تجاه اليمن. أخطأ الحوثيون، المعروفون أيضًا باسم أنصار الله، في قراءة الإشارات التي صاحبها تعليق دعم العمليات الهجومية للتحالف الذي تقوده السعودية وتعيين مبعوث أمريكي خاص لليمن. فبدلًا من وقف التصعيد، أعاد الحوثيون شن هجوم واسع النطاق على محافظة مأرب الغنية بالموارد، حيث لم يُسفر ذلك الهجوم عن أي نجاح إلا أنه لا يزال مستمرًا ومحفوفًا بمخاطر عالية. أمام هذا الواقع، يمكن للولايات المتحدة زيادة دعمها للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وفرض عقوبات ذكية للحد من الموارد المالية والعسكرية واللوجستية التي تمول المجهود الحربي للحوثيين.

استراتيجية الاستنزاف التي يتّبعها الحوثيون

منذ سقوط مدينة الحزم شمال غرب البلاد بيد الحوثيين في آذار/مارس 2020، شن الحوثيون هجمات منسقة جنوبًا باتجاه مأرب، وهو هدف استراتيجي يغير قواعد اللعبة. تُوصف استراتيجية الحوثيين في مأرب منذ آذار/مارس 2020 بأنها استراتيجية استنزاف، نظرًا للانسحاب التدريجي لقوّات التحالف والأسلحة الدفاعية الثقيلة، فضلًا عن الانقسامات المستمرة داخل الحكومة اليمنية. نشر الحوثيون مزيجًا من القوّات المدربة وغير المدربة للسيطرة على مأرب بأي ثمن.

تضم القوّات شبه العسكرية الحوثية الأطفال في الخطوط الأمامية بشكل أساسي، إذ تقل أعمارهم عن ثمانية عشر عامًا. ففي فيلم وثائقي نُشر مؤخرًا لـ"فايس نيوز"، قال أحد المجندين السابقين من الأطفال للمراسلة إيزوبيل يونغ أن الذهاب إلى الجبهات "كان أصعب موقف بالنسبة لي... كانوا يضعوننا في المقدمة بينما [قوات الحوثيين شبه العسكرية المدربة] بقيت في الخلف."  يدير الحوثيون، الذين يسيطرون على المحافظات الشمالية الغربية المكتظة بالسكان، حملات تلقين عقائدية في المساجد والمدارس والمخيمات الصيفية. كما وذكرت صحيفة التلغراف أن "حوالي ثلاثة ملايين طفل يمني يعيشون في مناطق خاضعة لسيطرة الحوثيين يتم تلقينهم مواد تعليمية مليئة بالدعاية المحرضة على العنف والمعادية للسامية." وفي حزيران/يونيو، أعلن القيادي الحوثي حسين العزي، قبول 620 ألف طفل في مثل هذه البرامج.

لقي العديد من الأطفال مصرعهم بسبب استراتيجية الاستنزاف التي يتّبعها الحوثيون في مأرب. ففي شباط/فبراير، أقرّ الحوثيون بمقتل 718 مقاتلًا، كثير منهم من الأطفال. وفي آذار/مارس، أعادت سلطات مأرب المحلية سبعة جنود أطفال حوثيين أسرى إلى صنعاء على متن طائرة تابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر، ما أرسل رسالة مفادها أنه لا ينبغي إرسال الأطفال للموت.

دعم من إيران

استخدم الحوثيون أسلحة تم الاستيلاء عليها من الدولة، مثل الدبابات والعربات المدرعة، وكذلك الأسلحة المهربة بشكل غير مشروع من إيران والمعدّلة محليًا، مثل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة. في النصف الأول من عام 2021، أطلق الحوثيون أكثر من 55 صاروخًا باليستيًا على مأرب، في محاولة لمعاقبة المدنيين على مقاومتهم. بين 5 و10 حزيران/يونيو، أطلق الحوثيون ثلاثة صواريخ على الأقل، ما أسفر عن مقتل ما يقدر بثلاثين مدنيًا وإصابة ما لا يقل عن ذلك. كما قصفت قوّات الحوثيين عدة مخيمات للنازحين في صرواح، بحسب منظمة هيومن رايتس ووتش. وأفاد مركز أبعاد للدراسات والبحوث أن الحوثيين "استخدموا ثلاثين عربة مصفحة أمريكية في حربهم الأخيرة على مأرب، بما في ذلك 12 ... مركبة مخصصة لمكافحة الإرهاب،" ما يدل على الاستعداد والقدرة على مواصلة القتال.

أحد الفوارق الاستراتيجية الرئيسة بين هجوم شباط/فبراير 2021 والهجمات السابقة هو النصيحة المباشرة التي تلقاها الحوثيون من حسن إيرلو، القيادي في الحرس الثوري الإسلامي الإيراني المسؤول عن ملف اليمن والذي تم تهريبه إلى اليمن في تشرين الأول/أكتوبر 2020. كما وأشار د. علي الذهب إلى أن "الحوثيين استعدوا لهذه المعركة زهاء أربعة أشهر" ونشروا كتائب ذات عقدية متشددة مثل كتائب الحسين وكتائب الموت والقبائل الموالية مثل كتائب الرزامي والوهبي. لكن قوّات المقاومة الحكومية والقبلية، مدعومة بضربات جوية دقيقة من قبل التحالف، صدّت هجمات الحوثيين المكثفة.

ربما يكون تأثير إيرلو، الذي يوصف غالبًا بأنه الحاكم الفعلي لصنعاء، قد تجاوز الواجبات العسكرية. فعلى الرغم من أن قادة الحوثيين لم يرفضوا رسميًا مبادرات وزارة الخارجية الأمريكية، فقد كثّف إيرلو خطابه وأجبر قادة الحوثيين على مواصلة القتال ورفض مقترحات خفض التصعيد. وصف المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيموثي ليندركينغ، في الإحاطة التي قدمها للجنة الفرعية الإقليمية التابعة للجنة مجلس النواب الأمريكي للشؤون الخارجية، هجمات الحوثيين المستمرة بأنها "أكبر تهديد منفرد" لجهود وقف التصعيد، وشكّك في "تأكيد الحوثيين بأنهم ليسوا وكلاء لإيران."

مزيد من التصعيد قادم

في ضوء استراتيجية الاستنزاف التي يتّبعها الحوثيون، من المتوقع أن تستمر الهجمات على مأرب، حتى وإن انخرط الحوثيون في وقف إطلاق نار تكتيكي. من أجل أن تنخرط هذه الجماعة بشكل بنّاء في عملية سلام، يجب تقليل مواردها المالية واللوجستية والعسكرية التي تموّل قدرتها القتالية. يمكن للولايات المتحدة زيادة اعتراضها الحالي للأسلحة والشبكات المالية الإيرانية، وأن تناقش مع الاتحاد الأوروبي حول عقوبات ذكية منسقة، تضمن موضوع تجنيد الأطفال. من جانبه، يجب على المجتمع الدولي منع تفاقم الأزمة الإنسانية من خلال إنقاذ مأرب بكل الوسائل المتاحة.

 

إبراهيم جلال زميل أبحاث في المركز اليمني للسياسات، وباحث غير مقيم في برنامج شؤون الخليج واليمن بمعهد الشرق الأوسط، وأحد مؤسسي تقطير الأمن.


 
آخر التغريدات


تواصل معنا