غموض الإنفاق العسكري وانعدام الأمن في الشرق الأوسط
غموض الإنفاق العسكري وانعدام الأمن في الشرق الأوسط
08 حزيران/يونيو 2021
ألكسندرا كويموفا

يساهم افتقار الشفافية في الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الاضطرابات المدنية والفساد والصراع الإقليمي.

تشير البيانات الجديدة حول توجهات الإنفاق العسكري العالمي والواردة في تقرير معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام الصادر في نيسان/أبريل 2021 إلى أن العديد من الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواصل إعطاء الأولوية للأنشطة والاحتياجات العسكرية. كما وبقي الإنفاق العسكري كحصة من الناتج المحلي الإجمالي، المعروف أيضًا بالعبء العسكري، عند مستوى مرتفع مقارنة بالمناطق الأخرى. في عام 2020، كانت سبع دول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين الدول العشر الأولى التي تتحمل أعلى عبء عسكري في العالم.

تُلقي هذه البيانات الضوء أيضًا على الاختلالات الكبيرة في شفافية الإنفاق العسكري في المنطقة. فبينما توفر العديد من البلدان بيانات الإنفاق العسكري، تظل المعلومات الخاصة بالعديد من الدول التي لها تأثير كبير على ديناميات الأمن في المنطقة جزئية أو غير متوفرة. ناقشت مجموعات المجتمع المدني والمنظمات الدولية هذه القضية على مر أعوام، لكن العقد الماضي لم يشهد أي تحسينات واضحة في إتاحة وإمكانية الوصول إلى البيانات الحكومية حول الإنفاق العسكري في العديد من الدول في المنطقة. من شأن زيادة شفافية البيانات الحكومية حول الإنفاق العسكري في هذه الدول أن يحسن العلاقات داخل الدول وفيما بينها في المنطقة.

نظرة على التوجه في السنوات العشر الماضية

عبر الانخراط في نزاعات مسلحة طويلة الأمد، وتوترات ومنافسات مستمرة خلال العقد الماضي، استثمر العديد من الدول في المنطقة في تحديث قوّاتها المسلّحة. ففي عام 2020، كانت أربع دول من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من بين الدول العشرين ذات الإنفاق العسكري الأعلى في العالم. وقد قامت 11 دولة في المنطقة برفع إنفاقها العسكري بالقيمة الحقيقية خلال الفترة الممتدة بين 2011 و2020، حيث كانت أكبر الزيادات في تونس وتركيا، ما أدى إلى زيادة الإنفاق العسكري بنسبة 102 في المئة و77 في المئة على التوالي. وجاءت أدنى زيادة نسبية من قبل الدولة ذات الإنفاق العسكري الأعلى في المنطقة، ألا وهي المملكة العربية السعودية، إذ ارتفع إنفاقها العسكري لعام 2020 بنسبة 2.3 في المئة عن عام 2011، بزيادة معدلة حسب التضخم تبلغ 1.2 مليار دولار.




لسنوات عديدة، ظل العبء العسكري للعديد من الدول في المنطقة على مستوى عالٍ جدًا مقارنة بالمتوسط ​​العالمي، ما يدل على الأهمية التي توليها هذه الدول للقدرات العسكرية. فعلى سبيل المثال، بلغ متوسط ​​الإنفاق العسكري لسلطنة عُمان كحصة من الناتج المحلي الإجمالي 10.2 في المئة بين عامي 2011 و2020، في حين كان المتوسط ​​العالمي حوالي 2 في المئة. وخصصت الجزائر، وهي أكبر منفق عسكري في شمال إفريقيا، 5.6 في المئة في المتوسط ​​من الناتج المحلي الإجمالي للنفقات العسكرية على مدى العقد الماضي. في عام 2020، كانت الأعباء العسكرية في 12 دولة في الإقليم أعلى من المتوسط ​​العالمي البالغ 2.4 في المئة. وبشكل عام، بلغ متوسط ​​العبء العسكري لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا 4.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

نقص وعدم توافر في البيانات

لتقدير حجم الموارد الاقتصادية المخصصة للأنشطة العسكرية، يقوم معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بجمع الوثائق الحكومية، بما في ذلك البيانات المتعلقة بالميزانية أو النفقات الفعلية. أرقام الإنفاق العسكري الرسمية متاحة للجمهور بالنسبة لمعظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن بعض التقارير الحكومية تفتقر إلى الشمولية والشفافية. على سبيل المثال، لا توفر وثائق الميزانية الرسمية الجزائرية المتاحة للجمهور بيانات مفصلة عن الإنفاق العسكري. بدلًا من ذلك، يظهر الإنفاق كرقم واحد في الميزانية. وفي حالة مصر، فعلى الرغم من توافر البيانات وإمكانية الوصول إليها، يبدو أن الميزانية العسكرية الرسمية تحذف معلومات عن أنشطة واحتياجات عسكرية معينة، بما في ذلك مقتنيات الأسلحة. وفي بعض الحالات، تكاد الشفافية الحكومية في الإنفاق العسكري أن تكون معدومة، كما هو الحال في قطر والإمارات العربية المتحدة وليبيا وسوريا واليمن.

تُصدر جميع هذه الدول تقريبًا وثائق الميزانية المالية. ومع ذلك، فهم لا يكشفون علنًا عن مخصصات الميزانية للمؤسسة العسكرية. على سبيل المثال، أصدرت قطر أرقام الميزانية لقطاع الدفاع والأمن في نهاية عام 2020، وهي المرة الأولى التي تفعل ذلك منذ عام 2010. وبالمثل، بقيت المعلومات افمتوفرة حول إجمالي الإنفاق العسكري لدولة الإمارات العربية المتحدة جزئية منذ عام 2014. تشير عدد من العوامل — منها الانخراط في نزاعات مسلحة إقليمية كبرى، وجود برامج مستمرة لمقتنيات الأسلحة المستمرة، والاستثمارات في الإنتاج المحلي للأسلحة — إلى اتجاه تصاعدي في مستويات الإنفاق العسكري في هاتين الدولتين في السنوات الأخيرة. ومع ذلك، لا توجد تقارير رسمية تؤكد ذلك. لم يتم العثور على ميزانيات عسكرية لليبيا أو اليمن منذ عام 2014، وظلت الميزانية العسكرية السورية غير معلنة لعدة سنوات.

 يزيد انعدام الشفافية في الإنفاق العسكري من مخاطر إساءة استخدام الموارد العامة. بالإضافة إلى ذلك، غالبًا ما يؤدي ضعف الشفافية إلى خلق بيئة مواتية للفساد. هذا الأمر مهم بالنسبة لدول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل خاص، إذ يقع معظمها ضمن فئة المخاطر الأعلى للفساد في قطاع الدفاع والأمن. تُمكن الشفافية الحكومية في الإنفاق العسكري الحكومات وجماعات المجتمع المدني من الانخراط في مناقشات مستنيرة حول التخصيص الفعّال للموارد. كما يُعد تحسين الشفافية في الإنفاق العسكري خطوة مهمة نحو توفير تدابير بناء الثقة والأمن لبناء الثقة المتبادلة وتجنب الشكوك والتكهنات حول التعزيزات العسكرية التي تطيل النزاعات الإقليمية الطويلة في حد ذاتها.

 

ألكسندرا كويموفا باحثة في برنامج الأسلحة والإنفاق العسكري التابع لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام. تتناول أبحاثها عمليات نقل الأسلحة والإنفاق العسكري والسياسات الدفاعية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وكذلك في روسيا وأوروبا الشرقية. الآراء الواردة هنا هي آراء الكاتبة ولا تعكس بالضرورة وجهات نظر المعهد.



 
آخر التغريدات


تواصل معنا