شبكات السلطة والدولة العراقية غير المتماسكة
شبكات السلطة والدولة العراقية غير المتماسكة
18 أيار/مايو 2021
ريناد منصور

يمكن مساءلة شبكات السلطة المرنة والمتكيّفة التي تقوض الدولة العراقية فقط من خلال النهج الهيكلي للإصلاح، حيث تشمل هذه الشبكات قوّات الحشد الشعبي وجميع الأحزاب السياسية الرئيسة الأخرى في العراق.

مع صعود الدولة الإسلامية المعلنة ذاتيًا واستيلائها على ما يقرب من ثلث أراضي العراق من القوّات المسلّحة العراقية المنهارة في عام 2014، تمثّل رد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في الجمع بين الجماعات شبه العسكرية الموجودة مسبقًا لتشكيل قوّات الحشد الشعبي. نمت هذه المؤسسة الجديدة، التي كانت تحت إشراف مكتب رئيس الوزراء، لتصبح قوّة أمنية معترف بها من قبل الحكومة تضم أكثر من 150 ألف فرد مع مخصصات سنوية قدرها 2.6 مليار دولار من الميزانية الوطنية.

ومع ذلك، فبحسب ورقة بحثية بعنوان "شبكات السلطة،" نمت قوّات الحشد الشعبي لتصبح أكثر بكثير من مجرد منظومة أمنية. فقد خاضت الجماعات التابعة لها غمار الانتخابات البرلمانية، وعيّنت أعضائها في مناصب حكومية عليا، وأدارت مؤسسات اقتصادية عامة وخاصة، وتصرفت كدولة في نواح كثيرة. ورغم ذلك، لم تصبح قوّات الحشد الشعبي أبدًا منظومة متماسكة لها قيادة ذات هيكلية واضحة سواء داخل الحكومة الرسمية أو خارجها تمامًا. بدلًا من ذلك، احتفظت بسلسلة من الشبكات.

توسعت هذه الشبكات وتحولت، حيث انقسمت بعض المجموعات في حين اندمجت أخرى مع بعضها، لكنها ظلت مرنة وقابلة للتكيّف. الأهم من كل هذا هو أن الحشد الشعبي ليس حالة شاذة. فاستراتيجياتها وأنشطتها هي جزء لا يتجزأ من السياسة العراقية، وتمارسها جميع الأطراف الرئيسة المرتبطة بالدولة العراقية. تعمل شبكات السلطة هذه على تعقيد الحوكمة وتتطلب نهجًا هيكليًا شاملًا للإصلاح.

شبكات السلطة التابعة لقوّات الحشد الشعبي

يوفر فهم هيكلية كل شبكة رؤى حول استراتيجياتها وقدراتها وعلاقتها بالدولة. تتسم بعض الشبكات بكونها ضيقة الأفق، وبارتباط قوي بقاعدة اجتماعية متأصلة في المجتمع العراقي، لكن قيادتها ضعيفة التماسك. تعتبر سرايا السلام الصدرية مثالًا على هذه الفئة. فقيادتها منقسمة إلا أنها تمتلك قاعدة اجتماعية قوّية تم حشدها للفوز بالانتخابات الوطنية لعام 2018. وهناك شبكات أخرى طلائعية، إذ تتمتع بقيادة قوّية التماسك لكن لديها ارتباط ضعيف مع أي قاعدة اجتماعية في العراق. تعتبر كتائب حزب الله مثال على هذه النوع من الشبكات. يعني هيكلها الطلائعي أن قيادتها الأساسية يمكنها إنشاء مجموعات مختلفة لتحقيق أهدافها، وهو ما تجلى في إنشاء العديد من فصائل المقاومة بعد اغتيال الولايات المتحدة لأبو مهدي المهندس، الذي كان القائد الفعلي لقوّات الحشد الشعبي. كما أن الكثير من مقاتليها لا يعرفون قادتهم، وغالبًا ما يتم نقلهم من مجموعة إلى أخرى.

في إطار مساعيه بحثًا عن السلطة، أراد أبو مهدي المهندس تحويل هذه السلسلة من الشبكات المختلفة إلى تنظيم متماسك تحت إشراف هيئة الحشد الشعبي. ومع ذلك، فقد عانى في ذلك الأمر لأن كل شبكة لها مصالحها السياسية والاقتصادية والأمنية الخاصة.

تتمتع هذه الشبكات أيضًا بعلاقة تكافلية مع الأجهزة الأمنية والأحزاب السياسية والاقتصاد في العراق. فهي لا تشتمل على مقاتلين فحسب، بل تشتمل أيضًا على سياسيين وموظفين مدنيين في المؤسسات الحكومية المحلية والمركزية ورجال أعمال ومنظمات إنسانية ومدنيين. على هذا النحو، فإن قوّات الحشد الشعبي متجذرة بعمق في مختلف القطاعات وقد شكلت علاقات — أحيانًا عدائية ولكنها تعاونية في معظم الأوقات — مع الجهات الفاعلة الأخرى، وجميعهم يشكلون الدولة العراقية غير المتماسكة. ويبقى القادة المرتبطون بقوّات الحشد الشعبي وسطاء رئيسين داخل شبكة الدولة العراقية.

دولة العراق غير المتماسكة

لا يكشف هذا الارتباط عن طبيعة قوّات الحشد الشعبي فحسب، بل يعكس أيضًا طبيعة الدولة العراقية، والتي لا يمكن فهمها من خلال إطار يخلط بين المؤسسات الحكومية الرسمية وسلطة الدولة. تتمتع شبكات قوّات الحشد الشعبي بسلطة الدولة، التي تكتسبها من ارتباطها في المواقع الرسمية وغير الرسمية. باختصار، يتمثل الفهم الأفضل للدولة في العراق على أنها شبكات سلطة.

هذا الواقع له آثار على صانعي السياسات الذين يسعون إلى الإصلاح. اتبعت الولايات المتحدة، على سبيل المثال، أدوات مختلفة، لم يؤد أي منها إلى الإصلاح. فلم تؤد الضربات العسكرية والعقوبات الاقتصادية إلى تغييرات جوهرية أو إلى إزالة الهيكليات التي تُنتج جهات مسلّحة غير خاضعة للمساءلة. لم تنتزع المؤسسات البديلة — مثل جهاز مكافحة الإرهاب أو حتى جماعات الحشد الشعبي المرتبطة بآية الله العظمى علي السيستاني — السلطة من الشبكات. وبدلًا من ذلك، أصبحت مؤسسات مثل جهاز مكافحة الإرهاب جُزُرًا معزولة عن السلطة الاجتماعية وغير موثوقة كشركاء في السعي نحو الإصلاح. كما أن تقسيم وتفتيت شبكات الحشد الشعبي من خلال ضرب أحد الجهات بالآخر لم ينجح أيضًا، حيث أن العديد من وسطاء السلطة في الشبكة يضطلعون بـ "مهام مزدوجة" في مناصبهم وانتماءاتهم وولاءاتهم.

النهج الهيكلي للإصلاح

بدلًا من ذلك، يجب أن تعتمد خيارات السياسات تجاه قوّات الحشد الشعبي على استراتيجية أكثر تماسكًا للإصلاح تتفهم طبيعة شبكاتها وارتباطها بالدولة العراقية. لا ينبغي أن يتجاهل الإصلاح أو يركز فقط على قوّات الحشد الشعبي، بل يجب أن يركز على جميع الجهات الفاعلة الأخرى المرتبطة بها في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية. على المدى الطويل، فإن الحل هو تطوير آليات يمكنها مساءلة جميع الجهات الفاعلة والتحرك نحو دولة عراقية أكثر تماسكًا. ومع ذلك، كبداية، يجب على صانعي السياسات العمل من خلال فهم طبيعة الارتباطات داخل الشبكات بحيث يمكن لأي إصلاح بعد ذلك أن يشمل كل من الاعتبارات الأمنية والسياسية.

 

ريناد منصور زميل باحث أول ومدير مشروع مبادرة العراق في تشاتام هاوس وزميل باحث أول في الجامعة الأمريكية في العراق بالسليمانية. شارك في تأليف كتاب ذات مرة في العراق، الذي نشرته دار نشر هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي/بينجوين لينضم لسلسلة البي بي سي التي نالت استحسانًا كبيرًا.


 
آخر التغريدات


تواصل معنا